للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه، قال له: أين كنت؟ لأعذّبنّك عذابا شديدا، فقال له الهدهد: يا نبيّ الله؛ اذكر وقوفك بين يدي الله سبحانه، فلما سمع ذلك سليمان ارتعدت فرائصه فعفا عنه.

ثم قال له: ما أبطأك عنّي؟ فقال: أحطت بما لم تحط به، وذلك قوله تعالى:

{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ؛} أي لم يلبث إلاّ يسيرا حتى جاء الهدهد، {فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ؛} أي علمت شيئا من جميع جهاته، وقيل: معناه: اطّلعت على ما لم تطّلع عليه، وجئتك بأمر لم يخبرك به الجنّ والإنس، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جميع جنودك، {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} (٢٢)؛أي بخبر صدق ولا شكّ فيه.

وقرئ «(من سبإ)» بالتنوين. قال الزجّاج: (من لم يصرفه فلأنّه اسم مدينة تعرف من اليمن، بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيّام، ومن صرفه؛ فلأنّه اسم البلد، ويكون مذكّرا سمّي به مذكّر) (١).وفي الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل عن سبإ، فقال: [كان رجلا له عشرة من البنين، تيامن منهم ستّة، وتشامّ أربعة ... ] (٢).وسنذكر أسماءهم وقصّتهم في سورة سبأ إن شاء الله تعالى.

قرأ عاصم ويعقوب {(فَمَكَثَ)} بفتح الكاف، وقراءة العامّة بضمّ الكاف، وهما لغتان.

قوله تعالى: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ؛} واسمها بلقيس بنت الشّرح، وقيل: شراحيل بن ذي جدن (٣)،وكان ملكا عظيم الشّأن، وكان قد ملك أرض اليمن كلّها، وكان يقول لملوك الآفاق: ليس أحد منكم كفؤ لي، وأبى أن


(١) بمعناه؛ قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٤ ص ٨٧.
(٢) رواه الطبراني في المعجم الكبير: ج ٢٢ ص ٢٠٢٥:الحديث (٦٣٩).في مجمع الزوائد: ج ٧ ص ٩٤؛قال الهيثمي: (رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني علي بن الحسن؛ لم أعرفه).
(٣) تاريخ الطبري: تاريخ الأمم والملوك: ج ١ ص ٢٨٩: تاريخ ما قبل الهجرة؛ قال الطبري: (وهي -فيما يقول أهل الأنساب-يلمقة ابنة اليشرح؛ ويقول بعضهم: ابنة أيلي شرح، ويقول بعضهم: ابنة ذي شرخ بن ذي جدن بن أيلي شرح بن الحارث بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان).

<<  <  ج: ص:  >  >>