قربانا للشّجرة، ثمّ يوقدون النّار ويشوون اللّحم، فإذا انقطع الدّخّان والنّار خرّوا سجّدا للشّجرة يبكون ويتضرّعون إليها أن ترضى عنهم.
وكان الشّيطان يجيء فيحرّك أغصانها ويصيح في ساقها: إنّي قد رضيت عنكم عبادي، فطيبوا نفسا وقرّوا عينا، فعند ذلك يرفعون رءوسهم من السّجود ويضربون الدّفوف ويشربون الخمور.
فلمّا طال كفرهم بعث إليهم رسولا، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله تعالى، فلمّا رأى تماديهم في الغيّ والضّلال قال: يا رب إنّ عبادك أبوا وكذبوا وعبدوا شجرة لا تنفع ولا تضرّ، فأيبس شجرتهم يا رب، فأصبحوا وقد يبست شجرتهم فهالهم ذلك، وقالوا: إنّ هذا أيبس شجرتكم.
وقالت طائفة: بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرّجل يعيبها ويدعوهم إلى عبادة غيرها، فحيت وغضبت لكي تغضبوا لغضبها وتنصرونها. فاجتمع رأيهم على قتله، فطرحوه في بئر ضيّقة المدخل عميقة القعر، وجعلوا على رأسها صخرة عظيمة، وقالوا: إنّما غرضنا أن ترضى بنا آلهتنا إذا رأت أن قد قتلنا من كان يعيبها ودفنّاه بحكم كسرها، فتعود لها نضارتها ونورها وخضرتها كما كانت.
فبقوا عامّة يومهم يسمعون أنين نبيّهم عليه السّلام وهو يقول: يا رب؛ قد ترى ضيق مكاني وشدّة كربي، فارحم ضعفي وقلّة حيلتي وعجّل قبض روحي، ولا تؤخّر إجابة دعوتي. فمات من ساعته.
فقال الله تعالى: يا جبريل؛ إنّ عبادي هؤلاء غرّهم حلمي، وأمنوا مكري وعبدوا غيري، وقتلوا رسولي، وأنا المنتقم ممّن عصاني، وإنّي حلفت لأجعلنّهم عبرة ونكالا. فأرسل الله تعالى عليهم ريحا حمراء عاصفا تتوقّد، ففزعوا منها وانضمّ بعضهم إلى بعض حتّى صاروا تحت شجرة، فاشتدّ عليهم حرّها، وبعث الله سبحانه