قوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ؛} أي يوفّيهنّ جزاءهم الواجب على قدر أعمالهم، {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}(٢٥)؛أي ويعلمون يومئذ أنّ الله تعالى هو الحقّ المبين، يقضي بحقّ ويأخذ بحقّ ويعطي بحقّ.
قال ابن عباس:(وذلك أنّ عبد الله بن أبيّ بن سلول كان يشكّ في الدّين، ويعلم يوم القيامة أنّ الله هو الحقّ المبين).قرأ مجاهد: «(يومئذ يوفّيهم الله دينهم الحقّ)» برفع القاف على أنه نعتا لله، وتصديقه قراءة أبيّ «(يومئذ يوفّيهم الله الحقّ دينهم)» (١).وقوله تعالى {(الْمُبِينُ)} أي يبيّن لهم حقيقة ما كان بعدهم في الدّنيا.
قوله تعالى:{الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ؛} معناه: الكلمات الخبيثات للخبيثين من الرّجال؛ أي لا يتكلم بالكلمات الخبيثات إلاّ الخبيث من الرجال والنساء. وقيل: معناه: إن الخبيث من القول لا يليق إلاّ بالخبيث من الناس، وكلّ كلام إنّما يحسن في أهله، فيضاف سيّء القول إلى من يليق به ذلك، وكذلك الطيّب من القول، وعائشة لا يليق بها الخبيثات؛ لأنّها طيّبة فيضاف إليها طيّبات الكلام من الثّناء الحسن وما يليق بها.
وقال بعضهم: معنى الآية: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرّجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء للمشاكلة التي بينهما، والطيّبات من النساء للطيّبين من الرجال، والطيّبون من الرجال للطيّبات من النساء. وفي هذا تبرئة عائشة رضي الله عنها؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان من أطيب الطيّبين، فلا يكون له إلاّ امرأة طيّبة.
(١) في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٢ ص ٢١١؛ قال القرطبي: (وقرأ مجاهد برفع (الحق) على أنه نعت لله عزّ وجلّ. وقال أبو عبيد: ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع؛ ليكون نعتا لله عزّ وجلّ، وتكون موافق لقراءة أبي، وذلك أن جرير بن حازم قال: رأيت في مصحف أبي (يوفّيهم الله الحقّ دينهم).قال النحاس: وهذا الكلام من أبي عبيد غير مرضي؛ لأنه احتجّ بما هو مخالف للسواد الأعظم. ولا حجة أيضا فيه؛ لأنه لو صح هذا أنه في مصحف أبي كذا جاز أن تكون القراءة: يومئذ يوفيهم الله الحق دينهم، يكون (دينهم) بدلا من (الحق).) ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج: ج ٤ ص ٣٠.