للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَزِيدُونَ} (١)).وقال آخرون: بل كانت قصة الحوت بعد دعائه قومه، وتبليغه الرسالة.

قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ؛} أي أجبنا دعوته ونجّيناه من تلك الظّلمات، {وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (٨٨)؛إذا دعوني، كما نجّينا ذا النّون. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [اسم الله إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطي: دعوة يونس بن متّى] قيل: يا رسول الله؛ هي ليونس خاصّة أم لجماعة المسلمين؟ قال: ليونس خاصّة، وله وللمؤمنين عامّة، ادعوا بها، ألم تسمع إلى قوله تعالى {(وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)]} (٢).

واختلفت القراءات في قوله {(وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)قرأ ابن عامر وأبو بكر:

«(نجّي المؤمنين)» بنون واحدة وتشديد الجيم وتسكين الياء. وجميع النحويين حكموا على هذه القراءة باللّفظ، وقالوا: هي لحن، ثم ذكر الفرّاء لها وجها فقال: أضمر المصدر في (نجّي) أي نجّي النّجاء المؤمنين (٣)،كقولك: ضربت الضّرب زيدا على إضمار المصدر؛ أي ضرب الضّرب زيدا، وقال الشاعر (٤):

ولو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسبّ بذلك الجرو الكلابا

وممن صوّب هذه القراءة أبو عبيد، وأما أبو حاتم السّجستانيّ فإنه لحنها ونسب قارئها إلى الجهل وقال: (هذا لحن لا يجوز في اللّغة، ولا يحتجّ بمثل ذلك البيت على كتاب الله، إلاّ أن تقول: وكذلك نجّي المؤمنون، ولو قرأ ذلك لكان صوابا).

قال أبو علي الفارسيّ: (هذا إنّما يجوز في سورة الشّعراء، فإن قيل: لم كتب في المصاحف بنون واحدة؟ قيل: لأنّ الثّانية لمّا سكّنت وكان السّاكن غير ظاهر


(١) الصافات ١٤٧/.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٨٧٢٤).والحاكم في المستدرك: كتاب الدعاء: الحديث (١٩٠٨).
(٣) في معاني القرآن: ج ٢ ص ٢١٠؛ قال الفراء: (ضرب الضّرب زيدا، ثمّ تكنّي عن الضّرب فتقول: ضرب زيدا. وكذلك نجّي النّجاء المؤمنين).
(٤) قفيرة كجهينة: أمّ الفرزدق. والبيت لجرير يهجو به الفرزدق.

<<  <  ج: ص:  >  >>