للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً؛} يعني يونس بن متّى أحبسه الله في بطن النّون، وهو الحوت، ومعنى الآية: واذكر ذا الحوت إذ ذهب مغاضبا لقومه. روي: أنه خرج من بينهم قبل أن يؤذن له في الخروج، وكان خروجه من بينهم خطيئة، وإنّما خرج منهم على تركهم الإيمان به، هكذا روي عن ابن عبّاس والضحّاك.

وقيل: كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فعداهم ملك فسبى منهم خلقا كثيرا، فأوحى الله إلى أشعيا النبيّ عليه السّلام: اذهب إلى الملك حزقيا فقل له: توّجه نبيّا قويا أمينا، فإنّي ألقي في قلوب أولئك التخلية حتى يرسلوا معه بني إسرائيل، فقال الملك:

من ترى يرسل؟ وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، فقال له: أرسل يونس فإنه قويّ أمين، فأتى الملك يونس فأخبره أن يخرج، فقال يونس: هل أمرك الله بإخراجي؟ قال:

لا، فقال: فهل سمّاني لك؟ قال: لا، قال: فهنا أنبياء غيري أقوياء أمناء، فألحّوا عليه فخرج مغاضبا للنبيّ والملك ولقومه.

فأتى بحر الرّوم، فإذا سفينة مشحونة فركب مع أصحابها، فلما صارت في لجّة البحر انكفأت حتى كادوا يغرقون، فقال الملاّحون: هاهنا عبد آبق عاص، فاقترعوا، فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر، لئن يغرق واحد منّا خير من أن تغرق السفينة بما فيها. فاقترعوا ثلاثا فوقعت القرعة كلّها على يونس، فقال يونس: أنا الرجل العاصي والعبد الآبق، وألقى نفسه في الماء. فجاء حوت فابتلعه، ثم جاء حوت آخر أكبر منه فابتلع الحوت أيضا. فأوحى الله إلى الحوت لا تؤذي منه شعرة، فإنّي قد جعلت بطنك سجنه، ولم أجعله رزقا لك.

قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ،} بالعقوبة، يقال قدر الله الشيء وقدّره؛ أي قضاه. وقيل: معناه: فظنّ أن لن نضيّق عليه السجن، من قوله تعالى:

{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} (١) أي ضيّق، وقوله {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} (٢)،وقد


(١) الطلاق ٧/.
(٢) الروم ٣٧/.

<<  <  ج: ص:  >  >>