للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والآلات، {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً} (٩٥)؛الرّدم أشدّ الحجاب، وهو أكبر من السدّ.

قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ؛} والزّبرة القطعة العظيمة، فأتوه بها فبناه، {حَتّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ؛} أي حتى إذا ملأ ما بين الجبلين، وسمّاهما صدفين؛ لأنّهما يتصادفان، أي يتقابلان، فلما وضع بينهما الحديد وجعل «بَيْنَ» كلّ قطعتي حديد حطبا حتى ملأ ما بين الجبلين، فأمر بالنار فأرسلت فيه، و {قالَ} للحدّادين: {اُنْفُخُوا؛} بالمنافيخ، {حَتّى إِذا جَعَلَهُ ناراً؛} أي حتى إذا صار الحديد كالنار، {قالَ آتُونِي؛} أي أعطوني قطرا، {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} (٩٦)؛وهو النحاس الذائب أصبّه على الحديد والحطب فيتقطّر كما يتقطر الماء، ففعل حتى إذا جعل بعضه في بعض، فصار الجميع شيئا واحدا جبلا صلدا من حديد ونحاس. قيل إنه حفر له الأساس حتى بلغ الماء، ثم جعل عرضه خمسين فرسخا ثم ملأه وشرفه (١).

قوله تعالى: {فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً} (٩٧)؛ أي ما قدروا أن يعلوه لارتفاعه وملاسته، وما قدروا أن ينقبوه من أصله؛ لشدّته وصلابته.

وعن أبي هريرة: [أنّ يأجوج ومأجوج يحفرون كلّ يوم، ثمّ يقولون: نرجع إلى غد ونجيء أيضا نحفره، فيأتونه غدا وقد أعاده الله كما كان قبل أن يحفروه] (٢).

قوله تعالى: {قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي؛} أي قال لهم ذو القرنين لمّا فرغ من بنائه، هذا التمكين الذي أدركت به السدّ رحمة من ربي من حيث ألهمني وقوّاني، ونعمة من ربي عليكم، {فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ؛} أي وقت اشتراط


(١) الشّرف: العلوّ والمكان العالي؛ وجبل مشرف أي عال. وأشرف المكان أعلاه. وأشرف عليه اطّلع عليه من فوق.
(٢) من حديثه مختصرا؛ أخرجه الإمام أحمد في المسند: ج ٢ ص ٥١٠ - ٥١١.والترمذي في الجامع: كتاب التفسير: سورة الكهف: الحديث (٣١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>