{أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} (٧٣)؛أي لما تركت من عهدك ووصيّتك، وقيل: أراد به النسيان الذي هو ضدّ الذّكر.
قوله تعالى: {(وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً)} أي لا تكلّفني مشقّة، وعاملني باليسر لا بالعسر، ولا تضيّق عليّ في صحبتي إياك. وأصل الرّهق: الغشيان، يقال:
رهق الفارس فلانا إذا غشيه فأدركه.
قوله تعالى: {فَانْطَلَقا حَتّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ؛} قال سعيد بن جبير:
(وجد الخضر غلمانا، فأخذ غلاما وضيء الوجه).قال ابن عبّاس: (كان من أحسنهم وأصبحهم، فأخذه من بينهم فأصرعه وأضجعه، ثمّ ذبحه بالسّكّين، وكان غلاما لم يبلغ الحنث).
وقيل: إنه اجتذب رأسه فقلعه، وقيل: نزع رأسه من جسده، وقيل: رفصه برجله فقتله، وقيل: ضرب رأسه فقتله، وكان اسم الغلام خشيود، وقيل: جيشور.
و {قالَ} له موسى حين رأى ذلك منه: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؛} أي أقتلت نفسا بريئة من الذّنوب، لم تجب ما يوجب قتلها. ومن قرأ «(زاكية)» فمعناه:
طاهرة من الذّنوب لم تبلغ الحلم، {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} (٧٤)؛أي قطيعا منكرا لا يعرف في شرع.
وقد اختلفوا في هذا الغلام أنّه كان بالغا أم لم يكن بالغا، إلا أن قوله {(بِغَيْرِ نَفْسٍ)} فيه دليل على أنه بالغا، لأن غير البالغ لا يقتل، وإن قتل غيره، وكان هذا الغلام يقطع الطريق، ويلجأ إلى أبويه فيحلفان دونه، وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:
[إنّ الغلام الّذي قتله الخضر طبع كافرا] (١).
وقوله تعالى: {(لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً)} أي منكرا عظيما. قال القتيبي: (النّكر أبلغ من الإمر في الإنكار؛ لأنّ قتل النّفس أشدّ من خرق السّفينة)،وقال الزجّاج: (الإمر
(١) أخرجه مسلم في الصحيح: كتاب القدر: باب معنى كل مولود يولد على الفطرة: الحديث (٢٦٦١/ ٢٩).