للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معرفتكم، وبيّنّاه تبيينا؛ لئلا يلتبس بغيره (١).

قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ؛} أي ألزمناه عمله من خير أو شرّ في عنقه، فجعلنا جزاء عمله لازما له، كما يقال: هذا الحقّ في عنق فلان وفي ذمّته، قال مجاهد: (مكتوب في ورقة معلّقة في عنقه شقيّ أو سعيد).روى الحكم عن مجاهد: (ما من مولود إلاّ وفي عنقه مكتوب شقيّ أو سعيد) (٢).

وفي الآية تشبيه العمل بالطائر الذي يجيء من ناحية اليمين فيتبرّك (٣) به، والذي يجيء من ذات الشّمال فيتشاءم به، وأما الإضافة إلى العنق دون سائر الأعضاء؛ فلأنّ ما يتزيّن به من طوق أو ما يشين من غلّ (٤) فإنما يضاف إلى الأعناق.

قوله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً} (١٣)؛أي يرفع الله يوم القيامة كتابه يرى فيه جزاء أعماله، قرأ الحسن ومجاهد: «(ونخرج)» على ما لم يسمّ فاعله، على معنى: ونخرج له الطائر كتابا. وانتصب قوله {(كِتاباً)} على الحال.

وقرأ أبو جعفر: «(ويخرج)» بالياء مسمّى الفاعل؛ أي ويخرج له الطائر يوم القيامة. وقرأ يحيى بن وثّاب «(ويخرج)» بضمّ الياء وكسر الراء، المعنى: ويخرج الله له كتابا، وقرأ الحسن ومجاهد: «(ألزمناه طيره)» بغير ألف، وقال أهل المعاني: أراد بالطائر ما قضى عليه أنه فاعله، وما هو صائر إليه من شقاوة أو سعادة (٥).قوله تعالى: «(يلقّاه منشورا)» قرأ أبو جعفر بضمّ الياء وفتح اللام وتشديد القاف، يعني يلقى الإنسان ذلك


(١) والتبيان للقرآن بالسّنة؛ قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. فالمراد بالتفصيل هنا هو البيان كما جاء في سنة النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم؛ لئلا يلتبس بغيره مما تنتجه عقول البشر وتخيلاتهم، فيختلط على الناس بمراد الله وقصده فيما أمر به وشرع. والله أعلم.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٦٧١٣).
(٣) في المخطوط: (فيترك).
(٤) هكذا في المخطوط: (غل) وأظنها عمل.
(٥) ذكره البغوي أيضا في معالم التنزيل: ص ٧٣٧ - ٧٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>