ومعناها: وما كان الله ليضلّ عمل قوم وينزل قوما منزلة الضّلال بعد إذ هداهم للإيمان حتى يبيّن لهم ما يتّقون من المعاصي، ويقال: حتى يبيّن الناسخ من المنسوخ، {إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ؛} من النّاسخ والمنسوخ، وبكل ما فيه مصلحة الخلق، {عَلِيمٌ}(١١٥).
قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ؛} وذلك أنّ الله لمّا أمر المسلمين بقتال المشركين كافّة، وكان في المشركين ملوك لا يطمع المسلمون بهم لشوكتهم وعزّهم، أخبر الله تعالى أن لله ملك السّماوات والأرض، يحيي من يشاء ويميت من يشاء، {وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ؛} يواليكم، {وَلا نَصِيرٍ؛}(١١٦) ينصركم.
قوله تعالى:{لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ؛} معناه: وقد تجاوز الله من تولّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذنه للمنافقين بالتخلّف، كما قال الله تعالى:{عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ،} وتجاوز عن ذنوب المهاجرين والأنصار.
وقيل: أراد بذلك قوما منهم تخلّفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم خرجوا فأدركوه في الطريق. وقوله تعالى: {(الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ)} صفة مدح لأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم باتّباعهم إياه في وقت الشّدة في غزوة تبوك، وكانت بهم العسرة في النفقة والرّكوب والحرّ والخوف، وكانت الدابة الواحدة بين جماعة يتعقّبون عليها، وكانت التمرة تشقّ بالنّصف فيأكلها الرجلان كل واحد نصفها، وربما كانت جماعة يمصّون تمرة واحدة، ويشربون عليها، وربما كانوا ينحرون الإبل فيشربون من ماء كروشها في الحرّ.
قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ؛} أي من بعد ما كاد تميل قلوب طائفة منهم عن الخروج والجهاد، ويقال من بعد ما كادوا يرجعون عن غزوتهم من الشدّة.
قوله تعالى:{ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ}(١١٧)؛ أي ثم خفّف عنهم ما أخلفهم عن الحرب حتى كادوا يعقلون عن أنفسهم، وهذا كقوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ .. }. إلى أن قال:{عَلِمَ أَنْ}