للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {قالَ يا آدَمُ؛} الأدمة: لون مشرّب بسواد؛ وقيل: هي كلّ لون يشبه لون التّراب؛ فلما ظهر عجز الملائكة قال الله تعالى: يا آدم؛ {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ؛} أي أخبرهم بأسمائهم؛ فسمّى كلّ شيء باسمه وألحق كلّ شيء بجنسه، {فَلَمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ،} الله: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ،} يا ملائكتي، {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ،} وما كان فيها وما يكون، {وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ،} من الخضوع والطّاعة لآدم، {وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} (٣٣)؛في أنفسكم له من العداوة؛ وقيل: ما تبدون من الإقرار بالعجز والاعتذار وما كنتم تكتمون من الكراهة في استخلاف آدم عليه السّلام.

وقيل: معناه: أعلم ما أظهرتم من الطاعة وما أضمر إبليس من المعصية لله تعالى في الأمر بالطاعة لآدم عليه السّلام؛ وذلك أنّ الله تعالى لمّا صوّر آدم ورآه إبليس قال للملائكة الذين معه: أرأيتم هذا الذي لم تروا من الخلائق مثله إن أمركم الله بطاعته ماذا تصنعون؟ قالوا: نطيع. وأضمر الخبيث في نفسه أنه لا يطيع. وقيل: معناه:

{(أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ)} يعني قولهم: {(أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها)،} {(وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)} يعني قولهم: لن يخلق الله خلقا أفضل ولا أكرم ولا أعلم عليه منّا.

فإن قيل في قوله تعالى: {(أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ)} أمر تكليف ما لا يطاق؛ فهل يجوز تكليف ما لا يطاق؟ قلنا: الصحيح أنه ليس بتكليف. وهذا كمن يلقي المسألة على من يتعلّم منه، فيقول: أخبرني بجواب هذه المسألة؟ ولا يريد بذلك أن يأمره بجوابها؛ لأنه يعلم أنه لا يعرفه. بل يقصد أن يقرر عليه أنه لا يعرف جوابها؛ ليكون أشدّ حرصا على تعلّم تلك المسألة.

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ} (٣٤)؛ظاهر الآية: أن إبليس كان من الملائكة؛ لأنه مستثنى منهم، وإلى هذا ذهب جماعة من العلماء، وقالوا: معنى قوله في آية أخرى: {إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ} (١) يعني من خزّان الجنان. وذهب جماعة آخرون


(١) الكهف:٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>