للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها؛} أي يعصيك فيها؛ {وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؛} أي نبرّيك من السّوء ونصلّي لك ونطهّر أنفسنا لك. وقيل: اللام في {(نُقَدِّسُ لَكَ)} زائدة؛ أي نقدّسك.

وقوله تعالى: {قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} (٣٠)،أي أعلم أنه سيكون فيهم أنبياء وقوم صالحون يسبحون بحمدي ويقدّسون لي ويطيعون أمري.

وروي: (أنّ الله لمّا خلق الأرض جعل سكّانها الجنّ بني الجان؛ وجعل سكّان السّماوات الملائكة؛ لأهل كلّ سماء عبادة أهون من الّتي فوقها، وكان إبليس مع جند من الملائكة في سماء الدّنيا؛ وكان رئيسهم واسمه عزازيل. فلمّا أفسدت الجنّ بني الجان الّذين سكنوا الأرض فيما بينهم وسفكوا الدّماء وعملوا المعاصي بعث الله إليهم إبليس مع جنده؛ فهبطوا إلى الأرض وأجلوا الجنّ منها؛ وألحقوهم بجزائر البحار؛ وسكن إبليس والجند الّذين معه في الأرض. فلمّا أراد الله أن يخلق آدم وذرّيّته؛ قال للملائكة الّذين كانوا مع إبليس في الأرض: {(إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)}. فتعجّبوا (١) من ذلك؛ و {(قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها)} كما فعلت الجنّ بنو الجان {(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)} فلمّا قالوا هذا القول خرجت لهم نار من الحجب واحترقت عشرة آلاف ملك منهم وأعرض الرّبّ سبحانه عن الباقين حتّى طافوا حول العرش سبع سنين يقولون: لبّيك اللهمّ لبّيك اعتذارا إليك.

قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها؛} وذلك أنّ الله لمّا قال للملائكة: {(إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)} قالوا فيما بينهم: يخلق ربّنا ما يشاء؛ فلن يخلق خلقا أفضل ولا أكرم عليه منّا. وإن كان خيرا منّا فنحن أعلم منه؛ لأنّا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره؛ فلمّا أعجبوا بعملهم وعبادتهم فضّل الله آدم عليهم بالعلم فعلّمه الأسماء كلّها؛ وهي أسماء الملائكة؛ وقيل: أسماء ذرّيّته؛ وقال ابن عبّاس:


(١) -المفسر أبو إسحاق أحمد بن محمّد النيسابوري (ت ٤٢٧ هـ‍) وله تفسير (الكشف والبيان في تفسير القرآن).ونقل ما ذكره الطبراني بلفظ قريب في: ج ١ ص ١٧٧،ط دار إحياء التراث العربي.
(١) في المخطوط: (فتعبوا)،والمناسب ما أثبتناه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>