قوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً؛} أي وكنتم نطفا في أصلاب آبائكم، {فَأَحْياكُمْ،} في أرحام أمهاتكم، وأخرجكم نسما صغارا، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ،} عند انقضاء آجالكم، {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ،} للبعث، {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(٢٨)،في الآخرة.
قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً؛} يعني من الشّجر والثمار والدواب، {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ،} فإن قيل:
هذه الآية تقتضي أن خلق السماء بعد الأرض؛ وقال تعالى في آية أخرى:{أَمِ السَّماءُ بَناها} ثم قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها؟} قيل: مجموع الآيتين يدلّ على أن خلق الأرض قبل السّماء؛ إلا أنّ بسط الأرض بعد خلق السّماء، {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(٢٩).
قوله تعالى:{وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً؛} يعني آدم وذريّته. واختلفوا في معنى الخليفة، فروي: أنّ رجلا سأل طلحة والزّبير وكعبا وسلمان: ما الخليفة؛ وما الملك؟ فقال طلحة والزّبير:(ما ندري) وقال سلمان: (الخليفة: هو الّذي يعدل في رعيّته ويقسم بينهم بالسّويّة ويشفق عليهم شفقة الرّجل على أهله والوالد على ولده؛ ويقضي بكتاب الله تعالى).فقال كعب:
(ما كنت أحسب أن أحدا يفرّق الخليفة من الملك غيري؛ ولكنّ الله ملأ سلمان علما وحلما وعدلا).
وروي أنّ عمر رضي الله عنه قال لسلمان: أملك أنا أم خليفة؟ قال سلمان:(إن أنت جبيت أرض المسلمين درهما أو أكثر أو أقلّ؛ ووضعته في غير حقّه!! فأنت ملك.
وإن أنت فعلت بالعدل والإنصاف فأنت خليفة) فاستغفر عمر رضي الله عنه.
وروي أنّ معاوية كان يقول إذا جلس على المنبر:(يا أيّها النّاس إنّ الخلافة ليست بجمع المال ولا تفريقه؛ ولكنّ الخلافة العمل بالحقّ؛ والحكم بالعدل؛ وأخذ النّاس بأمر الله عزّ وجلّ)(١).
(١) في المخطوط: أدرج الناسخ عبارة قال: (كذا في تفسير الثعلبيّ رحمه الله).والثعلبي الإمام-