للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال علماؤنا فيمن قال: أيّ عبيدي بشّرني بقدوم فلان فهو حرّ، فبشّره جماعة من عبيده واحد بعد واحد؛ أنّ الأوّل يعتق دون غيره؛ لأن البشارة حصلت بخبره خاصّة؛ بخلاف ما إذا قال: أيّ عبيدي أخبرني بقدوم فلان، فأخبره واحد بعد واحد فإنّهم يعتقون جميعا (١).

قوله تعالى: {*إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها،} هذا مثل آخر للمنافقين؛ وسببه لمّا ذكر الله في المنافقين المثلين المتقدّمين قالوا: إنّ الله تعالى أجل وأعلى من أن يضرب هذه الأمثال؛ فأنزل الله هذه الآية لأن البعوضة تحيى ما دامت جائعة فإذا شبعت هلكت؛ فكذلك المنافقون يحيون ما افتقروا وإذا شبعوا بطروا وهلكوا. فكأنّه قال تعالى: كيف أستحي من ضرب المثل في المنافقين وأنا أضربه بالبعوض الذي هو مثلهم.

وقيل: إنّ المشركين لمّا نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً} (٢) وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ} (٣) قالوا: إن الله تعالى يضرب المثل بالذّباب والعنكبوت؛ فأنزل الله هذه الآية كأنه قال: لا أستحي بضرب المثل بالبعوض والعنكبوت مع صغرهما فإنّهما يعجزان آلهتهم.

ومعنى الآية: أنّ الله لا يمنعه الحياء أن يضرب الحقّ شبها ما بعوضة فما أكبر منها مثل الذّباب وغيره. وقيل: فما فوقها في الصّغر.

قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ؛} أي فيعلمون أنّ المثل حقّ من ربهم؛ وأما الكافرون فيقولون: أيّ شيء أراد الله بذكر البعوض والذباب مثلا.


(١) لأن البشارة الخبر الذي يظهر السّرور، وعتق المبشّر أن خبره أفاد ذلك، ولو قال مكان بشّرني: أخبرني، عتقوا جميعا؛ لأنّهم جميعا أخبروه.
(٢) الحج:٧٣.
(٣) العنكبوت:٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>