قوله تعالى:{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا؛} أول الآية نعت للكافرين؛ ومعناه: أنّهم اتّخذوا دينهم لهو أنفسهم؛ لاهين لاعبين. ويقال: هم الذين اختاروا في دينهم الباطل واللّعب والفرح والهزء، {(وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا)} أي غرّهم ما أصابوه من زينة الدّنيا مع ما كانوا فيه من طول الأمل، وكذلك كانوا يستهزءون بالمسلمين، كما روي في الخبر: أنّ أبا جهل بعث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يستهزئ به: أن أطعمني من عنب جنّتك أو شيئا من الفواكه! فقال أبو بكر رضي الله عنه: (قل إنّ الله حرّمهما على الكافرين).
قوله تعالى:{فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا؛}({فَالْيَوْمَ)} أي يوم القيامة، معناه: اليوم نتركهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا. ويقال: معنى قوله: {(نَنْساهُمْ)} نتركهم، {(كَما نَسُوا)} أي كما أعرضوا عن العمل للقاء يومهم هذا اعراض الناسي للشيء. وقوله تعالى:{وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ}(٥١) في موضع الجرّ عطف على (ما نسوا)؛المعنى: وبجحدهم بآياتنا الدالّة على التوحيد «ننساهم اليوم كما نسوا لقاء يومهم هذا»(١).
قوله عزّ وجلّ:{وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ؛} أي لقد أتيناهم بالقرآن الذي أتينا به آية بعد آية؛ وسورة بعد سورة على علم منّا بأن ذلك أقرب للتّدبّر. وقوله تعالى:{هُدىً وَرَحْمَةً؛} في موضع نصب على تقدير: هاديا وذا رحمة، {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(٥٢)؛أي يصدّقون أنه من عند الله.
قوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ؛} معناه: ما ينظر أهل مكّة إلا عاقبة ما وعدهم الله به في القرآن أنه كائن، منه ما يكون في الدّنيا؛ ومنه ما يكون في الآخرة.
ويقال معناه: هل ينظرون إلى ما يؤول إليه أمرهم من البعث والعذاب وورود النّار.
وقوله تعالى: {(يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ)} أي يوم يأتي عاقبة ما وعدوا فيه؛ وهو يوم القيامة، يقول الّذين كفروا وتركوا العمل له في دار الدّنيا: قد جاءت رسل ربنا
(١) ما بين (()) ليس في الأصل، وهو ضرورة لإتمام المعنى.