فيقول الله تعالى، أو تقول الملائكة لأهل النّار: أهؤلاء الّذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة؛ أي لا يصيبهم برحمته. ثم يقال لأصحاب الأعراف: ادخلوا الجنّة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
قوله تعالى:{وَنادى أَصْحابُ النّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ؛} قال ابن عبّاس: (وذلك أنّه لمّا سكن أهل الجنّة الجنّة؛ وسكن أهل النّار النّار؛ وحرم أهل النّار الماء والثّمار مع ما هم فيه من ألوان العذاب، نادوا أصحاب الجنّة: أن اسقونا شيئا من الماء، أو صبّوا وأفرغوا علينا، وأطعمونا شيئا ممّا رزقكم الله من ثمار الجنّة).فيجيبهم أهل الجنّة:{قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ}(٥٠)،أي شراب الجنّة وثمارها. وإنّما جعل شراب الكافرين الحميم الذي يصهر به ما في بطونهم والجلود، وطعامهم الضّريع والزّقّوم.
وقيل: إنّ أهل النار ينادون أهل الجنّة بعد أن يستغيثوا فيغاثوا بماء كالمهل، ثم يستغيثوا بالطعام فيغاثوا بالزّقّوم والضّريع، فيقبلون على الصّبر فلا يغني عنهم، فيقولون: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا، ثم ينادون حينئذ أهل الجنة: يا أهل الجنّة! يا أهل السّعادة! منكم الآباء والأمّهات؛ والأبناء والأخوات؛ والجيران والمعارف والأصدقاء، أفيضوا علينا من الماء حتى تطفئوا حرّ ما نجد من العطش، أو ممّا رزقكم الله من الطعام فنأكله لعلّه يطفئ عنّا الجوع. فلا يؤذن لأهل الجنّة في الجواب مقدار أربعين سنة، ثم يؤذن لهم في جوابهم؛ فيقولون: إنّ الله حرّمهما على الكافرين، يعنون الماء والطعام.
وفي الآية بيان أنّ الإنسان لا يستغني عن الطعام والشراب وإن كان في العذاب، قال أبو الجوزائيّ: سألت ابن عبّاس: أيّ الصّدقة أفضل؟ قال:(الماء، أرأيت أهل النّار لمّا استغاثوا بأهل الجنّة قالوا: أفيضوا علينا من الماء)(١).
(١) في الدر المنثور: ج ٣ ص ٤٦٨؛ قال السيوطي: ((أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس)).