وقال بعض المفسّرين في معنى الآية: {(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ)} في الآخرة إلى الثّواب ونيل الكرامة {(يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ)} في الدّنيا بالدّلالات. ومن يرد أن يقيله عن ثوابه ونيل كرامته في الآخرة {(يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً)} في الدّنيا عقوبة له على كفره.
قوله عزّ وجلّ:{وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً؛}(هذا) إشارة إلى الإسلام، وقيل: إلى بيان القرآن، سمي ذلك مستقيما؛ لأنه يستقيم بمن يسلكه؛ فلا يعرج فيه حتّى يورده إلى الجنّة، وقوله تعالى:{قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ؛} أي أتينا بآية على إثر آية مفصّلة مبيّنة؛ {لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}(١٢٦)؛أي يتّعظون بآيات الله، ويتفكّرون في دلالات القرآن، فلم يبق لأحد عذر في التّخلّف عن الإيمان بعد هذا البيان.
قوله تعالى:{*لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ؛} قال ابن عبّاس: (الله السّلام، وداره الجنّة)(١).كأنه قيل لهم: جنّة الله. وقال الفرّاء:(معناه: لهم دار السّلام الدّائمة من كلّ آفة وبليّة).وقوله تعالى: {(عِنْدَ رَبِّهِمْ)} أي في الآخرة. وقيل:
معناه: مقيمون عند ربهم؛ {وَهُوَ وَلِيُّهُمْ؛} أي يتولّى أمرهم بنصرهم في الدّنيا وإكرامهم في الآخرة، {بِما كانُوا يَعْمَلُونَ}(١٢٧)؛من الطاعة.
قوله تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ} معناه: يوم نحشر الخلائق كلّهم إلى الجزاء، يقول: يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس ممّن أضللتموهم؛ أي أضللتم كثيرا من الإنس وكثير متّبعوكم منهم، {وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ؛} أي قرناء الجنّ؛ {مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ}.
أما استمتاع الإنس بالجن فما روى الحسن:(أنّ العرب كانوا إذا سافروا فنزلوا واديا؛ خافوا على أنفسهم فقالوا: نعوذ بسيّد هذا الوادي من سفهاء قومه؛ فيبيتون في جوار منهم، وكانوا يرون ذلك استجارة بالجنّ).
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (١٠٨٠٦) عن السدي.