وقوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ؛} أي إنّ أكله لفسق. وقيل: إن ترك التسمية، وقيل: المذبوح بغير تسمية الله فسق فيه حين ذبح على غير وجه الحقّ؛ كقوله:{أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}(١).
قوله تعالى:{وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ؛} أي إنّ الشياطين ليوسوسون لأوليائهم من الإنس؛ وهم: أبو الأخوص الخثعميّ وبدين ابن ورقاء الخزاعيّ وغيرهما من أهل مكّة؛ كانوا يخاصمون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أكل الميتة واستحلالها. والوحي: إلقاء المعنى إلى النّفس في الخفية، {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ؛} في أكل الميتة واستحلالها من غير اضطرار، {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(١٢١)؛مثلهم.
وفي هذا دليل على أنّ من استحلّ شيئا ممّا حرّم الله، أو حرّم شيئا مما أحلّ الله؛ فهو مشرك. وإنّما سمي مشركا؛ لأنه اتّبع غير الله فأشرك بالله غيره.
قوله عزّ وجلّ:{أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ،} قال ابن عبّاس: (نزلت في عمّار بن ياسر، وأبي جهل).ويقال: إنّ المراد بالآية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو جهل. ومعنى الآية على القول الأوّل: أو من كان كافرا، فهديناه إلى المغفرة والإسلام، {وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً؛} وهو نور القرآن والإيمان والحكمة؛ {يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ؛} يضيء بذلك النور فيما بين النّاس؛ {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ؛} أي كمثل من هو في الضّلالة وظلمات الكفر، {لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها؛} أبدا.
بيّن الله تعالى بهذه الآية أنّ أبا جهل ليس بخارج من الضّلالة أبدا. وقال بعضهم: المثل زائد؛ تقديره: كمن في الظّلمات.
وعن ابن عبّاس أيضا:(أنّ معناه: {(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)} يريد حمزة بن عبد المطّلب {(كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها)} أبا جهل؛ رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحمزة كافر، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه يفوت وبيده قوس، فأقبل وهو غضبان حتّى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرّع ويستكين ويقول: أما ترى ما جاء به محمّدا، قد سفّه عقولنا وسبّ آلهتنا وخالف آباءنا. فقال حمزة: ومن أسفه