قوله تعالى:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ؛} معناه: إن أكثرهم يتّبعون أكابرهم بالشّكّ؛ يتبعونهم فيما يعملون ((ويظنون)) (١) أنّهم على الحق، وإنّما يعذبون على هذا الظنّ؛ لأنّهم اقتصروا على الظّنّ والجهل واتّبعوا أهواءهم، {وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ}(١١٦)؛أي ما هم إلا يكذبون في قولهم: ما قتل الله أحقّ أن تأكلوه ممّا قتلتم بسكاكينكم.
قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ؛} أي عن دين الإسلام وشرائعه؛ {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(١١٧)؛بمحمّد والإسلام، وإنّما قال:(أعلم) لأنّ الله تعالى يعلم الشيء من كلّ جهاته، وغيره يعلم الشيء من بعض جهاته.
قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ؛} عطف على ما دلّ عليه الكلام الذي قبله، كأنه قال: كونوا على الهدى فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه من الذبائح، {إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ}(١١٨)؛هذا للترغيب في اعتقاد صحّة إباحته وفي أكله.
قوله تعالى:{وَما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ؛} يعني من الذبائح، وموضع (أن) نصب لأنّ (في) سقطت، {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ؛} أي وقد بين لكم ما حرّم عليكم من الميتة والدّم والخنزير على ما تقدّم في سورة المائدة.
قرأ الحسن وقتادة وأهل المدينة وحفص: «(وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم)» بالفتح فيهما على معنى: فصّل الله. وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو بضمّهما جميعا. وقرأ أهل الكوفة إلا حفصا: «(فصّل)» بالفتح «(وحرّم)» بالضّمّ. وقرأ عطية العوفيّ: «(فصل)» بالتخفيف مفتوحا؛ يعني قطع الحكم فيما حرّم عليكم.
وقوله تعالى:{إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ؛} أي إلا ما دعتكم الضرورة إلى أكله، فقد رخّص لكم حينئذ. قوله تعالى:{وَإِنَّ كَثِيراً؛} يعني الكفار يأكلون
(١) في المخطوط: (يتبعونهم فيما يعلمون أنهم على الحق) ويبدو أنه تصحيف، وتستقيم العبارة كما أثبتناه، والله أعلم.