{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبْنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) }
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} مَرْقًى وَمِصْعَدٌ إِلَى السَّمَاءِ، {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} أَيْ يَسْتَمِعُونَ عَلَيْهِ الْوَحْيَ، كَقَوْلِهِ: "وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ" (طه-٧١) أَيْ: عَلَيْهَا، مَعْنَاهُ: أَلَهُمْ سُلَّمٌ يَرْتَقُونَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ بِالْوَحْيِ، فَهُمْ مُسْتَمْسِكُونَ بِهِ كَذَلِكَ؟ {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ} إِنِ ادَّعَوْا ذَلِكَ، {بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ.
{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} هَذَا إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ حِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ، كَقَوْلِهِ: "فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبْنُونَ" (الصَّافَّاتِ-١٤٩) .
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} جُعْلًا عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ وَدَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الدِّينِ، {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} أَثْقَلَهُمْ ذَلِكَ الْمَغْرَمُ الَّذِي تَسْأَلُهُمْ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ.
{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ} أَيْ: عِلْمُ مَا غَابَ عَنْهُمْ، حَتَّى عَلِمُوا أَنَّ مَا يُخْبِرُهُمُ الرَّسُولُ مِنْ أَمْرِ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ بَاطِلٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ: "نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ"، يَقُولُ: أَعِنْدَهُمْ عِلْمُ الْغَيْبِ حَتَّى عَلِمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُوتُ قَبْلَهُمْ؟ {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أَيْ: يَحْكُمُونَ، وَالْكِتَابُ: الْحُكْمُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَخَاصَمَا إِلَيْهِ: "أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ" (١) أَيْ بِحُكْمِ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ أَمْ عِنْدَهُمُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ مَا فِيهِ وَيُخْبِرُونَ النَّاسَ بِهِ؟
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} مَكْرًا بِكَ لِيُهْلِكُوكَ؟ {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} أَيْ: هُمُ الْمَجْزِيُّونَ بِكَيْدِهِمْ، يُرِيدُ أَنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ يَعُودُ عَلَيْهِمْ، وَيَحِيقُ مَكْرُهُمْ بِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مَكَرُوا بِهِ فِي دَارِ النَّدْوَةِ فَقُتِلُوا بِبَدْرٍ.
(١) قطعة من حديث أخرجه البخاري في الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود: ٥ / ٣٠١، ومسلم في الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا برقم (١٦٩٧-١٦٩٨) ٣ / ١٣٢٤-١٣٢٥، والمصنف في شرح السنة: ١٠ / ٢٧٤-٢٧٥.