عودتي إلى قسنطينة وضعتني وجهاً لوجه أمام الظرف الجديد وآفاقه؛ فعلى عتبة ذلك الباب الضخم من خشب الأرز ذي المسامير الكبيرة والمدقة البرونزية، والذي لا يفتح إلا في المناسبات الكبرى ويُكتفى في الأيام العادية بفتح باب صغير فيه، على عتبة ذلك الباب استقبلني رجل له سمت ينبئ عن اتصال وثيق بوسطي الجديد، كانت السنين قد أحنت ظهره، وكان يرتدي عادة قميصاً من الكاكي أثناء العمل، أما في ساعات الراحة فيرتدي البرنص. استقبلني ببرنصه وعليه ابتسامة ساخرة كانت أعرفها فيه أثناء دراستي في المدرسة.
سمة لؤم وعينان خبيثتان وراء نظارتين بذراعين معدنيتين وشارب وخطه الشيب، كانت هذه كلها قسمات ذلك الرجل الذي يدعونه عمي، والذي سوف أناديه بهذا الاسم سنوات أربعاً. إنه الشاوش ذو الشخصية الغامضة التي لا تستقر على حال. فهو لطيف اليوم وربما كان في الغد سمجاً ثقيلاً. كان حاجب المدرسة وبواب المدير (دورنون Dournon) وأحياناً يعمل مخبراً عنده. وكما كان مع التلاميذ كان مع الأساتذة يحسن لبعضهم ويسيء للآخرين. وعند نهاية العطلة الصيفية يقف عند الباب الصغير المفتوح ينتظر زبائنه من الطلاب الجدد ليبادر كل قادم جديد بهذا السؤال:((من أنت؟ ومن أين أتيت؟))
لقد سألني بدوري عند وصولي إليه حاملاً حقيبتي، بينما وضع حمال على عتبة الباب طرداً فيه فراشي والغطاء ملفوفين بكيس من القماش. وأجبته:((إنني من تِبِسَّة)).