عندما أسس (طهرات) صحيفة (صوت المساكين La voix des humbles) تحدثوا فيها عن فولتير وفضائل ثورة ١٧٨٩ الفرنسية.
لقد جعلوا عقليتهم حتى تعابيرهم تسهم في تكوين فريق من التلاميذ الأطفال من أبناء الجزائريين، الذين امتازوا عن سواهم بفضل ثرائهم أو اتصال آبائهم بالإدارة، وسهل عليهم أن يلتحقوا بالمدرسة الثانوية كعباس فرحات مثلاً.
وكان في هذه الفئة ذات الامتياز حالات نموذجية أمثال الدكتور موسى الذي خاض أولى معاركه السياسية مع (مورينو Morinaud) عمدة قسنطينة المستبد، والذي ابتدع طريقة في وضع الشاشية (الطربوش)، اقتفى أثره فيها أبناء جيلي حتى عرفت هذه البدعة باسمه ( la Moussa). وكذلك الدكتور (موسلي) صاحب البنية القوية الذي وشم نفسه بوصفه محكوماً بالأشغال الشاقة، ثم راح يزوج بناته للضباط الفرنسيين ويضع في صيدليته شراباً سماه باسمه ( Le sirop Mosly).
أما فريق الأطباء والمساعدين فكانوا أكثر رصانة، وتكاد لا تسمع صوتهم في الصف وهم في كل حال لا شخصية لهم. كنا نحس فيهم الشخصية الهادئة لمساعدي طبيب الإدارة الاستعمارية.
على كل حال فأنا أعتقد أن فريق المدرسيين عند مسيو (مارتان Martin) يميزهم خصوصاً شعور ديني يأخذ بهم في قليل أو كثير.
وأحسب لو رجعت بالذاكرة إلى الماضي فإن جدتي الحاجة زليخة قد أدخلت في روعي (الشعور المدرسي). وكلما مررت أمام دارها البيضاء ذات الطراز (الموريسكي) التي تطل على وادي الرمل، تستقطب تفكيري وتحاكي روحي، لكنها تذكرني أيضاً بقصوري مع الشيخ عبد المجيد، فيحدث ذلك في نفسي خوفاً شديداً.