للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: المعتمَد ما قدَّمته عنه أوَّلاً من الحرمة قِياسًا على مسألة الجمعة، وأمَّا هذا فهو اختيارٌ [له]، ويُجاب عنه بأنَّ المذاهب بعدَ أنْ تقرَّرت واتَّبع الناس [كلامها] (١) والتزَمُوا العمل بها، لم يبقَ للنظر إلى نفس الأمر مَساغ، ولم يتوجَّه من شافعيٍّ على حنفيٍّ مثلاً ردٌّ، ولم يسغْ قوله له: لِمَ لا تظن حرمة الشِّطرَنج؟ وإذا تمهَّد هذا وتقرَّر فالشافعيُّ إذا لعبه مع حنفيٍّ مثلاً كان مُعينًا على معصيةٍ حتى فِي اعتقاد الشَّافِعِي؛ لأنَّ من جملة اعتقاده أنَّ مَن قلَّد مالكًا مثلاً يَحرُم عليه لعب الشِّطرَنج، فإذا لاعَبَه كان معينًا له على معصيةٍ فِي اعتقادهما، أمَّا فِي اعتقاد المالكي فواضح، وأمَّا فِي اعتقاد الشَّافِعِي فهو لا مُطلقًا، بل من حيث نظرنًا لاعتقاد المالكي؛ إذ لو استَفتَى مالكيٌّ شافعيًّا قال: أنا مذهبي مالكيٌّ فهل يحرم عليَّ لعبُ الشِّطرَنج؟ وجَب على الشَّافِعِي أنْ يقول له: نعم، يحرم عليك لعبه ما دمت مالكيًّا، وقد صرَّح الأئمَّة بما يدفع ما قاله السبكي هنا؛ حيث قالوا: يجبُ النهيُ عن المنكر فِي اعتقاد الفاعل وإنْ لم يكن منكرًا فِي اعتقاد المنكِر، وهذا شاملٌ لمسألتنا، فيُعلَم منه نصًّا أنَّه يجبُ على شافعيٍّ رأى مالكيًّا مثلاً يلعب بالشِّطرَنج وهو مستمر على [تقليد مالك] أنْ يُنكِر عليه بيَدِه ثم بلِسانه ثم بقَلبِه؛ نظَرًا لِمُباشَرته حَرامًا فِي اعتقاده، وهو واضحٌ، وكذا فِي اعتقاد الشَّافِعِي لا مُطلقًا، بل نظرًا لاعتقاد الفاعل، وإذا صرَّحوا بأنَّه يلزَم الإنكار عليه كانوا مُصرِّحين بأنَّه يحرم عليه اللعب [معه]؛ لأنَّه ضد الإنكار الذي أوجَبُوه عليه، فاتَّضح ما مرَّ أولاً وهو حُرمة لعبِه معه، وأنَّه منقولُ المذهب، وليس بحثًا للسبكي ولا لغيره، فتأمَّله، فإنَّ مَن تكلَّموا على المسألة كلهم يحكيها عن السبكي


(١) هكذا في المخطوطين وفي المطبوع: كلا منها.

<<  <   >  >>