والثاني: يُباع بالدينار؛ لأنَّ الذي إليه الإيجاب وهو غير عاصٍ به، وإنما القبول للطَّالِب وهو الذي يَعصِي به.
قلت: إنما يتوهَّم المنافاة على الثاني فقط، ولكنْ عند التحقيق لا مُنافاة، بل الثاني هو الأوجَهُ، وليس ممَّا نحن فيه؛ لأنَّ كلامنا فِي مُبايَعة مَن لا يلزمه لِمَن تلزَمه بلا ضرورة وهنا ضرورةٌ، وجوب الحظِّ لليتيم اقتضت المسامحة للوليِّ فِي بيع مَن تلزَمُه بالدينار، وإنْ أثم المشتري إنْ خشي فَوات الجمعة، ثم رأيت احتمالاً ثالثًا للروياني يوافق بعض ما ذكرته وهو قوله: يحتمل أنْ يرخص له فِي القبول [لنَفعِ] اليتيم إذا لم يُؤدِّ إلى ترك الجمعة، كما يرخص للولي الإيجاب لحاجة اليتيم إليه.
فإنْ قلت: ما مرَّ عن السبكي يُنافِيه قول ولده عنه فِي ترجمة الروياني فِي "طبقاته الوسطى" سمعت والدي يقول: لا يأثم شافعيٌّ لعب الشِّطرَنج مع حنفي، وفرَّق بينه وبين مسألة البيع وقتَ النداء بأنَّه حينئذٍ محرَّم عندهما، ولعب الشِّطرَنج ليس محرَّمًا عند الشَّافِعِي، وإنما المحرَّم عند الحنفي لعبه مع ظنِّه التحريمَ، وكلُّ واحدٍ من الجزأين ليس بِحَرام، أمَّا الظنُّ فهو [نتيجة] اجتهاد يُثاب عليه وليس بحرام، وأمَّا اللعب من حيث هو فليس بحرام لا عليه ولا [على] غيره إذا كان حُكم الله فيه ذلك فِي نفس الأمر.
فإن قلت: يظنُّ الحنفي - أي المحرِّم - صار حراما عليه، قلت: الذي صار حرامًا عليه لعبه مع ظنِّه لا لعبه مطلقًا، فالهيئة الاجتِماعيَّة [ز١/ ٤٦/أ] هي المحرَّمة، وهي النسبة الحاصلة بين اللَّعِب المظنون والظنِّ، والشَّافِعِي اللاعب لم يعن إلا على أحد الجزأَيْن، وهو اللعب وهو بلسان [الحال] يردُّ على الحنفيِّ ويقول له: لا تظنُّ، ا. هـ ما فِي "الطبقات".