[فقه الأسماء الشرعية]
مسألة الأسماء -ولا سيما الأسماء الشرعية فضلاً عن الأسماء الاصطلاحية- لا بد لطالب العلم أن يفقهها.
فإن جمهور الاختلاف -كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- الذي وقع في مسائل أصول الدين؛ بل وفي مسائل الشريعة بين كثير من المتأخرين يرجع إلى عدم فقه الأسماء الشرعية.
أن المتتبع لنصوص القرآن يجد فيها إشارة إلى أن العلم ليس بلازم لقيام الحجة، وإنما يكفي مجرد السماع والبلاغ، فإن الله سبحانه وتعالى وصف المشركين بالجهل، وبأنهم لا يسمعون، فقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:١٧٩] وقال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] وقال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١٠] فهذه النصوص تبين: أن قيام الحجة على الكافر لا يلزم له العلم، وإنما مجرد السماع، وأما فقه النص وفهم المراد من الخطاب فإن هذا ليس بلازم؛ لأن الله كفر المشركين من العرب ووعدهم سقر مع أنه وصفهم بأنهم لا يعلمون وبأنهم لا يسمعون ولا يعقلون
إلى غير ذلك.
ثم نجد أن الله سبحانه وتعالى في القرآن نفسه يقول عن هؤلاء الكفار: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦] وهذا يدل على أن القوم ليس فقط عندهم معرفة مجملة، بل -أيضاً- معرفة مفصلة.
ويقول الله تعالى عن أخص من أظهر الكفر برب العالمين وهو فرعون ومن معه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:١٤] فكيف يوصف من عندهم اليقين -يقين النفس- ومن عندهم المعرفة التي كمعرفتهم لأبنائهم بأنهم لا يعلمون؟!
فقد يظن باعتبار فساد ذوق اللغة وعدم فقه الأسماء الشرعية وسياقها في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن هذا من باب التناقض، وأن وصف الإنسان بكونه مستيقناً يتناقض مع وصفه بكونه جاهلاً لا يسمع، ولا يعقل.
وبعض الناظرين من غير أولي التحقيق قد يظن أن قيام الحجة لابد فيه من الإدراك والفهم والفقه، ويستدل بمثل قول الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦] وبقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:١٤].
وبعضهم يذهب إلى الرأي الآخر، فيقول: إن الله سبحانه قال عن المشركين: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ} [الفرقان:٤٤] فمعناه: أنه لا يلزم لقيام الحجة على الكافر أن يكون يسمع.
وقال بعض المعاصرين ممن تكلم في هذه المسألة: إن الله سبحانه يقول: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ} [الفرقان:٤٤] كما لو أن بعضهم عنده إدراك، وبعضهم ليس عنده الإدراك للفقه، لكن مع ذلك قضى بكفر الجميع؛ لأن السياق: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ} [الفرقان:٤٤] فمعناه: أن ثمة معشراً منهم يسمعون ويعقلون.
وكل هذا الاختلاف والاضطراب وتوهم التناقض في الآيات القرآنية راجع إلى عدم فقه المصطلحات القرآنية: (لا يعلمون) (لا يفقهون) (لا يسمعون).
فهذه الأسماء الشرعية لابد من فقهها، وجمهور الاختلاف إنما دخل على الناس في مسائل أصول الدين بل وفي غيرها من عدم فقههم لها.