للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشفاعة الجائزة وموقف المبتدعة منها]

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [وأما شفاعته ودعاؤه للمؤمنين فهي نافعة في الدنيا والدين باتفاق المسلمين، وكذلك شفاعته للمؤمنين يوم القيامة في زيادة الثواب ورفع الدرجات متفق عليها بين المسلمين، وقد قيل: إن بعض أهل البدعة ينكرها.

وأما شفاعته لأهل الذنوب من أمته فمتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم.

وأنكرها كثير من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة والزيدية، وقال هؤلاء: من يدخل النار لا يخرج منها لا بشفاعة ولا غيرها، وعند هؤلاء ما ثم إلا من يدخل الجنة فلا يدخل النار، ومن يدخل النار فلا يدخل الجنة، ولا يجتمع عندهم في الشخص الواحد ثواب وعقاب].

بهذا يبين الشيخ صور الشفاعة الجائزة أو الشفاعة المشروعة، والصورة الأولى هي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته للمؤمنين، فهي نافعة في الدنيا والدين باتفاق المسلمين.

وكذلك شفاعته صلى الله عليه وسلم في الآخرة لأهل الكبائر من أمته وغيرها من الشفاعات المثبتة، ثم ذكر الشيخ المعارضين في هذه الشفاعة، وهم المعتزلة والخوارج، وبهذا نفهم بأن هذا سيتكرر في كتاب التوسل والوسيلة الذي نحن فيه، ونفهم أن أهل البدع في موضوع الشفاعة على طرفي نقيض، أي: أن لهم رأيين متقابلين، وهذا كثير عند أهل البدع في كل الأصول التي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة، نجد أنهم على طرفي نقيض والحق بينهما، ولذلك يقول كثير من أهل السنة: إن الحق يتوسط في خصومة أهل البدع بعضهم مع بعض، يعني: تجد أدلة المانعين للشفاعة هي أدلة أهل السنة في نفي الشفاعة المنفية، والذين يطلقون الشفاعة أدلتهم هي أدلة أهل السنة في إثبات الشفاعة بشروطها، فتجد هؤلاء في رد بعضهم على بعض يخدمون السنة وهم لا يشعرون، لكن الحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فكما أن من أشار إليهم الشيخ قبل أكثر من درس من أهل التصوف وغيرهم يطلقون الشفاعة مطلقاً، حتى أنهم يطلبونها من الأموات الذين ليس لهم قدرة، ويطلبونها من الجمادات ويزعمونها لأوثانهم ومعبوداتهم، ولا يعترفون بشروطها عند الله عز وجل، فإنه يقابلهم آخرون ينكرون حتى الشفاعات المثبتة في الكتاب والسنة، وهم المعتزلة والزيدية والخوارج، فهؤلاء ينفون الشفاعات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الشفاعة التي تواتر بها الخبر، وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته.

إذاً: هؤلاء -أي: الذين نفوا الشفاعة-، أدلتهم حجة على الذين أطلقوها بلا شروط، وأدلة أولئك حجة على النافين أو الذين ينكرون الشفاعة بلا قيد ولا شرط.