اشْتَدَّتْ عناية السلف الصالح من الصحابة بالحديث حفظًا في الصدور، وَقَيَّدَهُ بعضهم في الصحف، كما فعل عبد الله بن عمرو بن العاص (٦٥ هـ) بإذن رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجابر بن عبد الله (٧٨ هـ)، وَسَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ (٥٨ هـ)، وابن عباس (٦٨ هـ).
وقد بَلَّغَ الصحابة أحاديث رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِيلَ التابعين من بعدهم، فحذوا حذوهم في حفظها وكتابتها حتى جاء عصر التدوين مع بداية القرن الثاني ونهاية القرن الأول للهجرة - الذي كان عصر الرواية - وأخذ تدوين الحديث يَتَّسِعُ ويأخذ صِفَةً رَسْمِيَّةً، ويصبح منهجًا عَامًّا لحفظ العلوم، وكان الدافع للتدوين هو حفظ الحديث من الاندثار بموت الأئمة الحفاظ، ومن التحريف والوضع الذي بدأ يظهر، فقام الأئمة الحُفَّاظُ يجمعون مَا صَحَّ عن رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأمر من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (١٠١ هـ)، الذي أمر عُمَّالَهُ وَوُلاَّتِهِ في الآفاق بهذه المُهِمَّةِ، ومنهم أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (١٢٠ هـ)، وابن شهاب الزهري (١٢٠ هـ) ...
وكانت أول كُتُبٍ ظهرت في الحديث في القرن الثاني الهجري تصانيف ابن جُريج
(١) راجع " الرسالة المستطرفة " للكتاني، و " أصول التخريج ودراسة الأسانيد " للدكتور محمود الطحان.