يقول علماء الحديث: إن علم أصول الحديث هو أصل جميع العلوم الشرعية؛ لأن القواعد والأصول التي وضعها المحدثون أو النقّاد استفاد منها جميع الطوائف، سواء في التاريخ والكتابة فيه، أو في اللغة والتأصيل اللغوي، وغير ذلك من العلوم الشرعية، فقد استفادوا من القواعد والموازين التي وضعها النقاد وعلماء الحديث، وقالوا: إن أهمية هذا العلم لبقية العلوم تأتي في المرتبة العليا؛ لأن العلوم الأخرى تستفيد مباشرة من هذا العلم ولا يستفيد هذا العلم كثيراً من بقية العلوم.
يقول المصنف: إن علم أصول الحديث وقواعد اصطلاح أهله لا بد منها للمشتغل برواية الحديث؛ إذ بقواعده يتميز صحيح الرواية من سقيمها، ويعرف بها المقبول من الأخبار والمردود، وهذا العلم كقواعد النحو التي يعرف بها صحة التراكيب العربية، فلو سمي منطق المنقول وميزان تصحيح الأخبار لكان اسماً على مسمى.
أي: لو سمينا هذا العلم وهو علم مصطلح الحديث: منطق المنقول -والمنقول، هو: ما نقل إلينا تواتراً أو آحاداً- وميزان تصحيح الأخبار لكان هذا أيضاً يصدق على هذا العلم.
يقول: وقد حرّر العلماء هذه القواعد التي وضعوها لقبول الحديث وحققوها بأقصى ما في الوسع الإنساني؛ احتياطاً لدينهم، فكانت قواعدهم التي ساروا عليها أصح القواعد للإثبات التاريخي، وأعلاها وأدقها، وتبعهم فيه العلماء في أكثر الفنون النقلية، فاتبعهم علماء اللغة وعلماء الأدب والتاريخ وغيرهم، فاجتهدوا في رواية كل نقل في علومهم بإسناده، وطبقوا قواعد هذا العلم عند إرادة التوثق من صحة النقل في أي شيء يرجع فيه إلى النقل، فهذا العلم في الحقيقة أساس لكل العلوم النقلية.