أما أصحاب المرتبة الثالثة: فهم المهاجرون، وهم أفضل من الأنصار، ويعلم ذلك من سياق القرآن الكريم كما في آية الحشر:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ}[الحشر:٨]، إلى آخر ما ورد في حق المهاجرين، ثم ثنى الله تبارك وتعالى بقوله:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ}[الحشر:٩] وهم الأنصار، فذكر الأنصار بعد ذكره للمهاجرين، وكذا قول الله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}[التوبة:١٠٠] ولم يقل من الأنصار والمهاجرين: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[التوبة:١٠٠] فهذا إثبات الرضا عن المهاجرين والأنصار وعمن اتبع نهجهم وسار على سبيلهم ومنوالهم إلى قيام الساعة، وقول الله تعالى:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}[التوبة:١١٧]، فهذا إثبات التوبة لمن وقع في ذنب من المهاجرين والأنصار؛ ولذلك عمم النبي عليه الصلاة والسلام ذلك باستثناء الأنبياء، فقال:(كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، فإذا دخل الصحابة في عموم الخطاب، فهم أولى الناس بالتوبة مما عساهم أن يقعوا فيه من ذنب.
وكذلك لما اختلف المهاجرون والأنصار في بيعة أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة، وحسم هذا النزاع والخلاف عمر رضي الله عنه، بإثبات فضل المهاجرين على فضل الأنصار، وإثبات أسبقيتهم وجهادهم، وإسباق الأذى الذي وقع عليهم من المشركين في مكة، كل هذا يدل على أفضلية المهاجرين على الأنصار، فسلم الأنصار لذلك، فقاموا جميعاً وبايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وهذا يدل كذلك على أن المهاجرين أفضل من الأنصار وفي كل خير، ولا خلاف بين أهل السنة والجماعة في أفضلية المهاجرين على الأنصار.