وحينما يفسد واحد من هذه المفاصل الثلاثة للفكرة بتأثير أي عاملٍ من العوامل فينبغي أن نتوقع رؤية نتائج هذا الفساد في أحكام ونشاطات المجتمع وسلوك أفراده.
هذه النتائج تظهر في أشكال شاذة؛ وغالباً مضحكة. ففي معرض للرسوم الزيتية أقيم في (لوس أنجلوس) سنة (١٩٥٧) نالت الجائزة الأولى لوحة بعنوان (مقهى لاوس) كانت ببغاء عوراء أنجزتها حين، تركها صاحبها تتخبط بالألوان بالقرب من قماشة الرسم.
لم يكن لهذا الخداع في الإطار الفني الناتج عن العصر السوريالي أن يحدث؛ لو لم تُحَرِّف القوانين الجمالية التي شوهتها السوريالية مقاييسَ الجمال لدى الْمُحلَّفين المشرفين على الجائزة.
لقد تم هنا على الأقل اكتشاف الخدعة بسهولة؛ لأن صاحب اللوحة الذي نال الجائزة هو نفسه صاحب الببغاء وقد اعترف بذلك بعد حين.
وكم من حالاتٍ أخرى لا يكون الاعتراف فيها بالخدعة أو الكشف عنها ممكناً إما بدافع النفاق؛ عندما توجه مصالح دنيئة تخنق الآراء، أو لمجرد افتقاد الإدراك.
ومهما يكن من أمر فإن أي فساد في علاقات الأفكار فيما بينها (مرتبة المنطق الفلفسة ... إلخ) أو في علاقاتها مع عالم الأشخاص (مرتبة الأيديولوجية - السياسة .. إلخ) أو في علاقاتها مع عالم الأشياء (مرتبة التقنية والاقتصاد ... إلخ) لابد أن يُوَلِّد اضطراباً، في الحياة الاجتماعية، وشذوذاً في سلوك الأفراد، خصوصاً عندما تصل القطيعة مع النماذج إلى مداها الأقصى، وتصبح قوالب أفكار نا المطبوعة ممسوحةً في ذاتنا، وتصبح أفكار نا الموضوعة والمصبوبة في تلك القوالب لا شكل لها، ولا تماسك فيها، ولا أهمية لها.