ودخل إليه بعد انتقاله من البركة إلى الدار الثانية، فقال، وأنشدها إياه في المحرم سنة سبع وأربعين وثلاث مائة.
أَحَقُّ دَارٍ بأَنْ تُدْعَى مُبارَكَة ... دَارٌ مباركَةُ المَلْكِ الذي فِيها
وأَجْدَرُ الدُّورِ أَنْ تُسْقَى بِسَاكِنِها ... دَارٌ غدا النَّاسُ يَسْتَقُونَ أَهْليها
الملك: الملك، خففت الكسرة فيه من اللام، والعرب تفعل ذلك في مثل هذا الموضع، فتقول في إبل إبل، وفي عضد عضد؛ لأنهم يستثقلون الكسر والضم فيصيرون فيها إلى التخفيف.
فيقول: أحق دار بأن يقضى لها بركة، ويقطع عليها بالسعادة، دار قد قصر الله البركة على الملك الساكن لها، وقضى بالسعادة على الرئيس المستقر بها.
ثم قال: وأجدر الدور بأن تسقيها السحاب بإقبال ساكنها، وتخضب ساحتها بيمن عامرها، دار غدا الناس يستسقون فضل من سكنها، ويعم جميعهم نعم من عمرها.
هذي مَنازِلُكَ الأُخْرَى يُهَنَّئُها ... فَمَنْ يَمُرُّ على الأُولى يُعَزَّيَها
إذا حَلَلْتَ مَكاناً بَعْدَ صاحِبِهِ ... جَعَلْتَ فيهِ على ما قَبْلَهُ تِيْها
يقول: هذه الأخرى من منازلك، يشير إلى الدار التي انتقل عنها، يهنئها بتشرفها بك، وبما اخترته من الرفعة في اشتمالها عليك، فمن يمر على الدار التي أخليتها من نفسك، وأوحشتها إلى أنسك، يسليها عما عدمته، ويصبرها على ما فارقته وحرمته.
ثم قال: إذا حللت في مكان بعد آخر، ترحل عنه، وتطير إلى ذلك المكان، تنتقل منه، أظهرت فيه على المنازل التي فارقتها، وزهوا على الأماكن التي رحلت عنها وتركتها.
لا تٌنْكِرِ الحِسَّ مِنْ دَارٍ تَكُونُ بها ... فإِنَّ رِيْحَكَ رَوْحٌ في مَغَانِيْهَا
أَتَمَّ سَعْدَكَ مَنْ لَقَّاكَ أَوَّلَهُ ... ولا اسْتَرَدَّ حَياةً مِنْكَ مُعْطيها
الحس: الإدراك والمعرفة، والمغاني: مواضع الحلول، واحدها مغنى.