جده بمشكور سعيه فمكنه، فلم يخل حزمه من جد يصحبه، ولم يخل جده من حزم يمضيه ويؤيده.
ثم قال مخاطبا له: تولى الصبا عني، بكثرة السن، وفناء أكثر العمر، فعوضتني منه بالمسرات التي تابعتها لي، وجددت عندي ما سلف من طيبه بالكرامات التي وصلتها لي، وما ضرني فقد الشباب لما صرت في جنبتك، ولا عدمت طيبه مع ما تتابع علي من نعمتك.
ثم قال مخاطبا له: لقد شب لديك كهول الرجال بما احيينه من همههم، وأسبغته من نعمهم، وبما يسره الله على يديك من السعادة لهم، وشاب المرد عند غيرك من الملوك، بعجزهم عن ضبط أعمالهم، واضطراب أحوال رعاياهم وأحوالهم.
وأَنَّي إذا بَاشَرتُ أَمْراً أُرِيْدُهُ ... تَدَانَتْ أَقاصِيهِ وَهَانَ أَشُدُّهُ
المراعي للشيء: الناظر إليه، وحيران معرض: ماء على طريق سلمية، هو منها على أقل من يوم، واعترض دونه أبو الطيب، فغال المعترضين له، واستظهر عليهم، والمعرض: الظاهر، والحسام: السيف القاطع، وحده: معروف.
فيقول لكافور مخبرا عن شدة سيره، وما تجشمه من المخاوف في قصده: ألا ليت نهار سيري نحوك يخبرك بما قاسيت من حره، وليت ليله يعرفك بما لاقيت من برده، فتتبين قدر بداري نحوك، وما تمونته عند قصدي أرضك.
ثم قال: وليت تشهدني وحيران؛ هذا الماء، مغب ظاهر، ومعرض بين، والأعداء يدفعونني عنه، ويمنعونني مجتهدين منه، فتشهد حينئذ بلائي في مقاتلتهم، ونفاذي في منازلتهم، وتعلم أن مثلي إذا صار في جندك والممتثلين لأمرك، كان من سيفك في موضع حده، ونائب في قوة فعاله.