للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تحطه وتهدمه.

فيقول: وفي الناس من لا تسمو به همته، ولا تنهض به منته، فيقنعه ما تيسر من عيشه، ويرضيه ما اتفق له من دهره، فيعرى ولا يألم، ويركب رجليه ولا يحزن.

ثم قال: ولكن قلبا بين جنبي بعيدا مرامه، جليلا مراده، ليس لما يبغيه مدى أقف عنده، ولا لما يحاوله طرف أحصر بالوصف حده.

ثم قال: يرى ذلك القلب جسمه في دعة من العيش، وصلاح من الأمر، تربه الشفوف الناعمة، وتتصل له الأحوال الوادعة، فيختار دروعا تهده حملها، ومخاوف لا يأمن عليه مثلها.

يُكَلَفُني التَّهْجِيرَ في كُلَّ مَهْمَهٍ ... عَلِيْقِي مَرَاعِيْهِ وزاديَ رُبْدُهُ

وأَمْضَى سِلاحٍ قَلَّدَ المرءُ نَفْسَهُ ... رَجاءُ أَبي المِسْكِ الكَريمِ وقَصدُهُ

هُما ناصِرا مَنْ خانَهُ كُلُّ ناصِرٍ ... وأُسْرَةُ مَنْ لَمْ يُكْثِرِ النَّسْلَ جَدُّهُ

التهجير: المسير في الهاجرة، والمهمة: القفر، والعليق: قضيم الدابة، والربد: النعام، وأسرة الرجل: رهطه وأقاربه.

فيقول مشيرا إلى ما قدمه من ذكر قلبه: يكلفني ذلك القلب يبعد مطالبه، وارتفاع [همته]، وجودة مقاصده، الأسفار البعيدة، والمئون الشديدة، والتهجير في كل مهمه، لا يجد فيه علفا مراعيه، ولا زادا غير ما أصيده من النعام الربد فيه.

ثم قال: وأمضى ما تقلده المرء من السلاح والشكة، وما يستعين به من النفاذ والقوة، رجاء أبي المسك والقصد إليه، وتأميله والتعويل عليه.

ثم قال، يريد الرجاء والقصد اللذين قدم ذكرهما: [هما] ناصرا كل من بعدت عليه النصرة، ومكثرا كل من تعذرت عليه الكثرة، وأسرة من قل نسل جده، وعدم عشيرة تؤيده على أمره.

أَنا اليَوْمَ مِنْ غِلْمانِهِ في عَشِيرَةٍ ... لَنَا والدٌ مِنْهُ يُفَدَّيهِ وُلْدُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>