للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنأه الناس بالدار الجديدة التي على البركة، فقال:

إِنَّما التَّهْنِئَاتُ لِلأَكْفاءِ ... وَلِمَنْ يَدَّنِي مِنَ البُعَداءِ

وَأَنَا مِنْكَ لا يُهَنَّئُ عُضْوٌ ... بِالْمَسَرَّاتِ سَائِرَ الأَعْضَاءِ

الأكفاء: الأشكال، ويدني: بمعنى يقترب، وهو مثال يفتعل من الدنو، والبعداء: الأباعد، واحدهم بعيد.

فيقول لكافور: إنما التهنئات بين الأكفاء المشاكلين، والنظراء المتماثلين، أو لبعيد يستعمل التهنئة ليقرب، ويتكلفها ليتقبل، ويجعلها وسيلة تدني موضعه، وذريعة تسهل مطلبه.

ثم قال: وأنا منك لاتصالي بخدمتك، واشتمالي بنعمتك، قد حللت منك محل البعض من الكل، والعضو من سائر الجسم، فكيف أهنئك وأنا عبدك، وأتوددك وأنا بعضك.

وُسْتَقِلٌّ لَكَ الدَّيَارَ واو كَا ... نَ نُجوماً آجُرُّ هذا البِنَاءِ

وَلَوْ أَنَّ الذي يَخِرُّ مِنَ الأَمْ ... واهِ فِيهِ مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءِ

الخرير: صوت الماء عند جريه، يقال: خر الماء يخر خريرا.

فيقول لكافور: استقل الديار الجليلة لقدرك، واستصغر المنازل الرفيعة عند عظم حالك، ولو أن البناء الذي استحدثته، والقصر الذي احتللته، يشاكل آجره النجوم بحسنها، ويماثلها في جلالة أمرها، لكنت مستوجبا لأرفع منه بقدرك، وما أحرزه الله لك من عموم فضلك.

ثم قال على نحو ما قدمه: ولو أن المياه التي تخر في هذا البناء ذوب جواهر ناصعة، وفضة بيضاء خالصة، لاستقللت ذلك فيما تستحقه بنفسك، وما رفعه الله في المكارم من ذكرك.

أَنْتَ أَعْلَى مَحَلَّةً أَنْ تُهَنَّى ... بِمَكانٍ في الأَرْضِ أَوْ فِي السَّماءِ

وَلَكَ النَّاسُ والبلادُ وما يَسْ ... رَحُ بَيْنَ الغَبْرَاءِ والخَضْرَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>