للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهذه الأحاديث تمكين الإثبات، وشجا في حلوق المعطلة. وقد قال الشافعي رحمه الله: الإثبات أمكن؛ نقله الخطابي. ولم يبلغنا عن أحد من الصحابة والتابعين وتابعيهم أنهم أولوا هذه الأحاديث، والذي يمنع من تأويلها إجلال الله تعالى عن أن تضرب له الأمثال، وأنه إذا أنزل القرآن بصفة من صفات الله كقوله سبحانه: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (١) فإن نفس تلاوة هذا يفهم منها السامع المعنى المراد به، وكذا قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (٢) عند حكايته تعالى عن اليهود نسبتهم إياه إلى البخل.

فقال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} فإن نفس تلاوة هذا، مبينة للمعنى المقصود، وأيضا فإن تأويل هذه الأحاديث يحتاج أن يضرب لله تعالى فيها المثل، نحو قولهم في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} (٣) الاستواء الاستيلاء كقولك استوى الأمير على البلد وأنشدوا:

قد استوى بشر على العراق

فلزمهم تشبيه الباري تعالى ببشر، وأهل الإثبات نزهوا جلال الله عن أن يشبهوه بالأجسام حقيقة ولا مجازا، وعلموا مع ذلك أن هذا النطق يشتمل على كلمات متداولة بين الخالق وخلقه، وتحرجوا أن يقولوا مشتركة لأن الله لا شريك له، ولذلك لم يتأول السلف شيئا من أحاديث الصفات مع


(١) الفتح الآية (١٠).
(٢) المائدة الآية (٦٤).
(٣) طه الآية (٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>