يقول:(وهذا النوع الذي هو حسن لما كان وسطاً بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر)، يعني: في اجتهاد المجتهد، (لا في نفس الأمر)، يعني: لما يقول المحدث: هذا حديث حسن، لا يلزم منه أن يكون حسناً في ذاته، وإنما هو حسن في نظره واجتهاده، (عسر التعبير عنه)، يعني: عسر وضع حد له وضبطه على كثير من أهل هذه الصناعة، يعني: كان صعباً جداً؛ لأنه بيت القصيد، قال:(وذلك لأنه أمر نسبي؛ شيء ينقدح عند الحافظ ربما تقصر عبارته عنه).
مسألة الحسن بالذات مسألة عويصة وشاقة جداً؛ لأنها ما هي إلا عبارة عن نظر المجتهد في الإسناد الذي أمامه، وفي الحديث الذي أمامه، وتطبيق قواعد وأصول متفق عليها هنا، فربما هذا المجتهد يخطئ أو يصيب، لكنه لا يحكم إلا بعد تيقنه أنه مصيب، ولذلك لما قالوا لـ شريح القاضي: أتعجب بحكمك؟ قال: لو لم أكن معجباً به ما حكمت، فهل يلزم أن يكون حكم شريح في نفسه صحيحاً موافقاً للشرع؟! هو اجتهد، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:(وإن الخصمين منكما ليختصمان إلي، فلعلَّ أحدهما يكون ألحن بحجته من صاحبه؛ فأقضي له، فإذا قضيت لأحدكم بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها أو ليدعها)، معنى ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه لا يعلم أين الحق الذي هو الحق الغيبي، الذي لم يطلعه الله تعالى عليه، فلما يأتي اثنان إلى النبي عليه الصلاة والسلام أحدهما أخذ من الآخر مالاً أو متاعاً، وهذا المأخوذ منه المتاع لا يستطيع أبداً أن يقيم بينة على أن المتاع له، ولا يعرف كيف يفعل، والثاني يقول: هذا لي، بدليل كيت وكيت، ويأتي بقرائن وبينات وأدلة، وهو في ذاته كاذب، فالنبي عليه الصلاة والسلام سيحكم له؛ لأنه يحكم بالظاهر، فهل حكم النبي عليه الصلاة والسلام له يجعل هذا الشيء عند الله عز وجل له فعلاً؟
الجواب
لا، فهو لصاحبه، وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بها له لأنه مأمور بأن يحكم بأدلة وقواعد وأصول فرضها ربنا عليه: البينة على المدعي واليمين على من أنكر، ولا شيء غير هذا، وهذا هو ما فرضه الله تبارك وتعالى على النبي عليه الصلاة والسلام وعلى الأمة كلها.
فهذا الرجل الآخذ كذاب، لكن من أين لك أن تثبت أنه كذاب ولديه قرائن وأدلة؟ والثاني صاحب الحق الأصلي عاجز عن إثبات شيء من هذا.
وليس مطلوباً منه أن يحلف اليمين؛ لأن الذي يدعي إثبات الشيء له يكفيه القرينة، فالبينة على المدعي، فالمدعي عندما يأتي ويقول: هذه ساعتي بقرينة كيت وكيت أمام صاحبها، والثاني يقول: أحلف ألف يمين، نقول: لا تحلف، وحتى لو حلفت ما دام جاء المدعي بالقرائن والبينة فأنت لا تطالب باليمين إلا عندما يعجز عن إثبات هذا الحق لنفسه؛ فتحلف اليمين، فإذا حلفت اليمين سنحكم لك بهذا.
فالمدعي ليس عليه يمين، إنما اليمين على المدعى عليه إن عجز المدعي عن إثبات القرائن والبينات.
قال:(وقد تجشم كثير منهم حده)، يعني: وقد تعرض كثير من أهل العلم لوضع حد وتعريف للحديث الحسن.
(فقال الخطابي: هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء).
نقف عند تعريف الخطابي، ونكمل في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد