[الحكمة من رمي الجمرات]
الحكمة من الرمي: يذكر الإمام النووي رحمه الله ذلك ويقول: قال العلماء: أصل العبادة الطاعة، وكل عبادة فلها معنى قطعاً؛ لأن ربنا لا يأمرنا بشيء هباء، ولا يأمرنا بشيء لغير حكمة، وإنما كل شيء بحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، فالعبادات كلها لحكم من الله سبحانه وتعالى، فالشرع لا يأمر بالعبث، فمعنى العبادة قد يفهمه المكلف وقد لا يفهمه، فالحكمة من الصلاة: التواضع، والخضوع، وإظهار الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى، والذل بين يديه سبحانه.
والحكمة من الصوم: كسر النفس، وقمع الشهوات، والإحساس بإحساس الإنسان الفقير الجائع المسكين المحروم فيعطف عليه.
والحكمة من الزكاة: المواساة بماله للفقير، ويستشعر أن هذا محتاج فيعطيه.
والحكمة من الحج: أن يقبل العبد على ربه سبحانه أشعث أغبر من مسافات بعيدة إلى بيت الله سبحانه، كإقبال العبد إلى مولاه ذليلاً، فهو يقبل موحداً ربه سبحانه، مستشعراً يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين، فيستشعر في وقوفه بعرفة وطوافه بالبيت شعور العبد الذليل بين يدي مولاه سبحانه وتعالى، وأنه محتاج إلى ربه يدعوه ويرجو منه رحمته سبحانه وتعالى.
ومن العبادات: السعي بين الصفا والمروة، وهي عبادة يستشعر بها كيف كانت هاجر تجري في هذا المكان بين الصفا والمروة تبحث عن الماء لابنها، فهذه حكمة من الحكم، ولا نقول: إنها كل الحكم، والحكمة الحقة يعلمها الله سبحانه وتعالى، فأمرنا بذلك لكي يستشعر الإنسان في ذهابه من الصفا إلى المروة ورجوعه من المروة إلى الصفا احتياجه إلى الله عز وجل، والإلحاح على ربه في الدعاء، فيقف هنا فيدعو، ويقف هنا فيدعو، فهو محتاج إلى ربه في كل وقت، ولعل هذا الدعاء لم يستجب ولن يستجاب إلا الدعاء الثاني، فيتعود على الإلحاح والله يحب من عبده أن يلح عليه في الدعاء، فيستجيب له سبحانه وتعالى.
ورمي الجمرات من هذه العبادات، يرمي فيتخيل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو يرمي الشيطان بهذه الجمرات، فالإنسان يفعل كما فعل إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقد روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم لما أتى المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض)، أي: حتى دخل بداخل الأرض وغاص وهرب من إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له في الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشيطان فارجمون، وملة أبيكم فاتبعون.
هذا الحديث المرفوع والموقوف فيه بيان الحكمة وهي: أنك تتشبه بإبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام وأنت ترمي بهذه الحصيات، ولكن الذي يوصل ذلك هو الله سبحانه وتعالى، فلست أنت الذي ستوجع الشيطان عندما ترمي الجمرة بشدة أو ترمي بطوب أو بحديد أو برصاص، ليس هذا الذي سيؤلم الشيطان، وإنما الله عز وجل هو الذي يفعل ذلك.
مثل الإشارة في الصلاة بالسبابة، فأنت تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتشير بالتوحيد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لهي أشد على الشيطان من الحديد)، إذاً: إشارتك بالتوحيد، وتحريكك للسبابة أشد على الشيطان من الحديد، فلا يقل أحد: سأحركها بشدة من أجل تكون أشد! ولكن الحركة وحدها وكونك أشرت بالتوحيد هذه أشد على الشيطان من الضرب بالحديد، والذي يفعل ذلك بالشيطان هو الله سبحانه وتعالى، إذاً نحن علينا الاتباع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل هو الذي يفعل بالشيطان ما يريده سبحانه.
إذاً: عندما نرمي الجمرات نرمي بالحصى الصغير، ونرمي مثلما رمى إبراهيم، ولا نأتي بحجر أكبر من أجل أن نؤلم الشيطان أكثر! فهذا من البدع، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وإنما نهى عن ذلك، ونهاهم أن يؤذي بعضهم بعضاً.