للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَهُ (١) اخْتِرَاعَاتٌ وَابْتِدَاعَاتٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَجَمِيعُ ذلك راجع (٢) إِلى أَنه قَائِلٌ (٣) برأْيه فِي الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ، مع زعمه أَنه غير قَائِلٌ بالرأْي؛ وَهُوَ التَّنَاقُضُ بِعَيْنِهِ، فَقَدْ ظَهَرَ إِذاً (٤) جَرَيَانُ تِلْكَ الأَشياء عَلَى الِابْتِدَاعِ.

وأَما كَوْنُ الزَّكَاةِ مَغْرَمًا: فَالْمَغْرَمُ مَا (٥) يَلْزَمُ أَداؤه مِنَ الدُّيُونِ وَالْغَرَامَاتِ، كَانَ (٦) الْوُلَاةُ يُلْزِمُونَهَا النَّاسَ بشيءٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلى قِلَّةِ مَالِ الزَّكَاةِ أَو كَثْرَتِهِ، أَو قُصُورِهِ عَنِ النِّصَابِ أَو عَدَمِ قُصُورِهِ، بَلْ يأْخذونهم بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلى الْمَوْتِ، وَكَوْنُ هَذَا بِدَعَةً ظَاهِرٌ.

وأَما ارْتِفَاعُ الأَصوات فِي الْمَسَاجِدِ: فَنَاشِئٌ عَنْ بِدْعَةِ الْجِدَالِ فِي الدِّينِ، فإِن مِنْ عادة قراءَة العلم وإِقرائه، وسماعه وإِسماعه (٧) أَن يَكُونَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَمِنْ آدَابِهِ (٨) أَن لَا تُرْفَعَ فِيهِ الأَصوات فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، فَمَا ظَنُّك بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ؟ فَالْجِدَالُ فِيهِ زِيَادَةُ الْهَوَى؛ فإِنه غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الأَصل. فَقَدْ جَعَلَ العلماءُ مِنْ عَقَائِدِ الإِسلام: تَرْكَ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ الْكَلَامُ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ (٩) فِي الْكَلَامِ فِيهِ؛ كَالْكَلَامِ فِي الْمُتَشَابِهَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ والأَفعال وَغَيْرِهِمَا (١٠)، وَكَمُتَشَابِهَاتِ الْقُرْآنِ. ولأَجل (١١) ذَلِكَ جاءَ (١٢) فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنها قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ... } (١٣) الآية،


(١) في (غ): "ولعله".
(٢) قوله: "راجع" سقط من (خ) و (م) و (ت)، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: كذا في الأصل! والمعنى الوارد يدل على أنه قائل برأيه. اهـ.
(٣) في (ت): "قال".
(٤) في (غ): "أيضاً" بدل "إذاً".
(٥) قوله: "ما" سقط من (خ) و (ت).
(٦) في (ت): "كأن".
(٧) قوله: "وإسماعه" ليس في (ر) و (غ).
(٨) في (ر) و (غ): "أدبه".
(٩) في (خ) و (م): "يأذن".
(١٠) انظر تعليقي على كلام الشاطبي (ص٥٤)؛ حيث عدّ نصوص الصفات من المتشابه، وهو مذهب المفوِّضة من نفاة الصفات.
(١١) في (ر) و (غ): "لأجل" بلا واو.
(١٢) قوله: "جاء" سقط من (ر) و (غ).
(١٣) سورة آل عمران: الْآيَةَ (٧).