للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا ـ رَادًّا عَلَى بَعْضِ مَنْ نصر هذا العمل: بأَنا (١) قَدْ شَاهَدْنَا الأَئمة (٢) الْفُقَهَاءَ الصُّلَحَاءَ، الْمُتَّبِعِينَ لِلسُّنَّةِ، المُتَحَفِّظين بأُمور دِينِهِمْ يَفْعَلُونَ (٣) ذَلِكَ أَئمة ومأَمومين، وَلَمْ نَرَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ إِلا مَنْ شَذّ فِي أَحواله ـ، فَقَالَ (٤): وأَما احْتِجَاجُ (٥) مُنْكِرِ ذَلِكَ بأَن هَذَا لَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ، فَلَمْ يأْت بشيءٍ؛ لأَن النَّاسَ الَّذِينَ يُقْتَدى بِهِمْ ثَبَتَ أَنهم لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ. قَالَ: ولما كثرت (٦) البدع والمخالفات، وتواطَأَ النَّاسِ عَلَيْهَا؛ صَارَ الْجَاهِلُ (٧) يَقُولُ: لَوْ كَانَ هَذَا مُنْكَرًا لَمَا فَعَلَهُ النَّاسُ. ثُمَّ حَكَى أَثر "الْمُوَطَّأِ" (٨): "مَا أَعرف شَيْئًا مِمَّا أَدركت عَلَيْهِ النَّاسَ إِلا النداءَ بِالصَّلَاةِ". قَالَ: فإِذا كَانَ هَذَا فِي عَهْدِ التَّابِعِينَ يَقُولُ: كَثُرَتِ الإِحداثات، فَكَيْفَ بِزَمَانِنَا؟! ثُمَّ هَذَا الإِجماع لَوْ ثَبَتَ لَزِمَ مِنْهُ مَحْظُورٌ؛ لأَنه مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ عَنِ الأَوّلين مِنْ تَرْكِهِ، فَصَارَ نَسْخُ إِجماع بإِجماع، وَهَذَا مُحَالٌ فِي الأُصول.

وأَيضاً فلا يكون (٩) مُخَالَفَةُ المتأَخرين لإِجماع الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى سُنَّةٍ حُجَّةً عَلَى تِلْكَ السُّنَّةِ أَبداً، فَمَا أَشبه هَذِهِ المسأَلة بما حُكي عن أَبي علي بن شَاذَان (١٠)


(١) في (خ) و (م): "فإنا". والمعنى: أن من نصر هذا العمل يقول: إنا قد شاهدنا الأئمة ... إلخ، وسيأتي الرد عليه.
(٢) في (خ): "العمل الأئمة"، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: لعله: "من الأئمة".اهـ.
(٣) في (غ): "يفعل"، وفي (م): "يعفلون".
(٤) أي: الشيخ في ردّه.
(٥) في (خ): "اجتماع".
(٦) في (خ) و (م): "كانت" بدل "كثرت".
(٧) في (م): "الجهال".
(٨) ساقه الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ" (١/ ٧٢) عن عمِّه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه؛ أنه قال ... ، فذكره.
(٩) في (غ) و (ر): "يجوز" بدل "يكون".
(١٠) في (خ) و (م): "أبي علي بشاذان"، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: "شاذان لقب رجلين من رواة الحديث، أحدهما: الأسود بن عامر أبو عبد الرحمن الشامي، نزيل بغداد، مات سنة ٢٠٨، وثانيهما عبد العزيز بن عثمان بن جبلة، مات سنة ٢٢١، وظاهر أن في عبارة نسختنا تحريفاً" اهـ. وليس ابن شاذان هذا واحداً ممن ذكر، بل هو: الإمام الفاضل، مسند العراق، أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، البغدادي، البزّاز. انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (١٧/ ٤١٥ ـ ٤١٨).
وقد أخرج هذه الحكاية من طريقه: ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٢٧/ ٣٧٢).