للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا النقل تَجَوُّزٌ (١) بِلَا شَكٍّ؛ لأَنه نَقْلُ إِجماعٍ يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ والمُحْتَجّ بِهِ (٢) ـ قَبْلَ الْتِزَامِ عُهْدَتِهِ ـ أَن يبحث عنه بحث أَهل العلم (٣) عَنِ الإِجماع؛ لأَنه لَا بُدَّ مِنَ النَّقْلِ عَنْ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ هَذِهِ الأُمة، مِنْ أَول زَمَانِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلى الْآنِ، هَذَا أَمر مَقْطُوعٌ بِهِ. وَلَا خِلَافَ أَنه لَا اعْتِبَارَ بإِجماع الْعَوَامِّ وإِن ادَّعَوُا الإِمامة.

وَقَوْلُهُ: "مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ": تَجَوُّزٌ، بَلْ مَا زَالَ الإِنكار عَلَيْهِمْ مِنَ الأَئمة. فَقَدْ نَقَلَ الطَّرْطُوشِي (٤) عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَشياء تخدم المسأَلة، فحصل إِنكار مالك لما فِي زَمَانِهِ، وإِنكار الإِمام الطَّرْطُوشِيِّ فِي زَمَانِهِ، وَاتَّبَعَ هَذَا أَصحابه، وَهَذَا أَصحابه. ثُمَّ القَرَافي (٥) قَدْ عَدَّ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى مذهب مالك، وسلّمه وَلَمْ يُنْكِرْهُ (٦) عَلَيْهِ أَهلُ زَمَانِهِ ـ فِيمَا نَعْلَمُهُ ـ، مَعَ زَعْمِهِ أَن مِنَ الْبِدَعِ مَا هُوَ حَسَنٌ.

ثُمَّ الشُّيُوخُ الَّذِينَ كَانُوا بالأَندلس حِينَ دَخَلَتْها هَذِهِ الْبِدْعَةُ ـ حَسْبَمَا يُذْكَرُ بِحَوْلِ اللَّهِ ـ قد أَنكروها، وكان من معتقدهم في تركها (٧): أَنه مذهب مالك. وكان الزاهد أَبو عبد الله ابن مُجَاهِدٍ (٨) وَتِلْمِيذُهُ أَبو عَمْرَانَ المِيْرَتُلِّي (٩) ـ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ـ مُلْتَزِمَيْنِ لِتَرْكِهَا، حَتَّى اتَّفَقَ لِلشَّيْخِ أَبي عَبْدِ الله في ذلك ما سيذكر (١٠) إِن شاءَ الله (١١).


(١) في (خ): "تهور".
(٢) قوله: "به" ليس في (غ) و (ر).
(٣) قوله: "العلم" سقط من (خ) و (م). وقوله: "أهل" يشبه أن تكون "أصل" في (خ).
(٤) في "الحوادث والبدع" صفحة (٦٥ ـ ٦٦).
(٥) في "الفروق" (٤/ ٤٩١) في الفرق الرابع والسبعين بعد المئتين، وهو آخر الفروق.
(٦) في (ر) و (غ): "ينكر".
(٧) في (خ) و (م): "في ذلك".
(٨) هو: الزاهد القدوة: محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري، أبو عبد الله ابن المجاهد الأشبيلي، الأندلسي، قرأ العربية، ولازم أبا بكر ابن العربي مدة، وتوفي سنة أربع وسبعين وخمس مئة، عن بضع وثمانين سنة. ترجمته في "العبر" (٣/ ٦٦)، و"السير" (٢٠/ ٥٤٣).
(٩) هو: الإمام العارف، زاهد الأندلس، أبو عمران موسى بن حسين بن موسى بن عمران القيسي، الميْرَتُلّي، صاحب الشيخ أبي عبد الله ابن المجاهد، توفي سنة أربع وست مئة، عن اثنتين وثمانين سنة. ترجمته في "السير" (٢١/ ٤٧٨ رقم ٢٤٢)، و"تاريخ الإسلام" (ص١٦٤ رقم ٢١٧/وفيات ٦٠١ ـ ٦١٠).
(١٠) في (م): "ما سيذكره"، وفي (خ) يشبه أن تكون: "ما سنذكره".
(١١) انظر المجلد الثالث (ص٢٣١).