للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النفوس، وتنبيهاً للرواحل أَن تنهض بأثقالها (١)، وَهَذَا حَسَنٌ، لَكِنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ تَحْسِينِ النَّغَمَات مَا يَجْرِي مَجْرَى مَا النَّاسُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، بَلْ كَانُوا يُنْشِدُونَ الشِّعْرَ مطلقاً من غير أَن يَعْتَمِلُوا (٢) هَذِهِ التَّرْجيعات الَّتِي حَدَثَتْ بِعَدَهُمْ، بَلْ كَانُوا يرقِّقون الصوت ويُمَطِّطُونه على وجهٍ يَلِيقُ بأُمّية (٣) الْعَرَبِ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا صَنَائِعَ الْمُوسِيقَى (٤)، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلذاذ (٥) وَلَا إِطراب يُلْهِي، وإنما كان لهم فيه (٦) شيء من النشاط؛ كما كان أَنْجَشَةُ (٧) وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَحْدُوَانِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٨)، وَكَمَا كَانَ الأَنصار يَقُولُونَ عِنْدَ حَفْرِ (٩) الْخَنْدَقِ:

نَحْنُ الَّذين (١٠) بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبداً

فيجيبهم رسول الله (١١) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ (١٢): اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ (١٣) ".

وَمِنْهَا: أَن يتمثَّل الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ أَو الأَبيات مِنَ الْحِكْمَةِ فِي نَفْسِهِ لِيَعِظَ نَفْسَهُ، أَو يُنَشِّطها، أَوْ يُحَرِّكها لِمُقْتَضَى مَعْنَى الشِّعْرِ، أَو يذكرها لغيره (١٤) ذِكْرًا مُطْلَقًا؛ كَمَا حَكَى أَبو الْحَسَنِ القَرَافي الصُّوفي عن الحسن: أَن قوماً


(١) في (خ) و (م): "في أثقالها".
(٢) في (خ) و (م): "يتعلموا".
(٣) علق رشيد رضا هنا بقوله: لعله: "لا يليق".اهـ.
(٤) في (خ) و (م): "المويسقي".
(٥) في (م): "لداد".
(٦) "فيه" زيادة من (غ).
(٧) في (م): "نحشة".
(٨) أما حديث عبد الله بن رواحة: فتقدم تخريجه (ص١٠٣). وأما حديث أنجشة: فأخرجه البخاري في "صحيحه" (٦١٤٩ و٦١٦١ و٦٢٠٢ و٦٢١٠ و٦٢١١)، ومسلم (٢٣٢٣)، كلاهما من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، وغلام أسود يقال له: أنجشة يحدو، فقال له رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أنجشة! رويدك سوقاً بالقوارير".
(٩) قوله: "حفر" سقط من (ر)، واستدرك في الهامش، ولم يتَّضح جيداً في التصوير.
(١٠) في (خ): "الذون".
(١١) قوله: "رسول الله" ليس في (خ).
(١٢) قوله: "بقوله" من (خ) فقط.
(١٣) أخرجه البخاري (٢٨٣٤ و٢٨٣٥)، ومسلم (١٨٠٥).
(١٤) قوله: "لغيره" ليس في (خ).