للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محصول (١) أمره (٢)، يَثِقُ (٣) بِعَقْلِهِ فِي التَّشْرِيعِ، وَيَتَّهِمُ رَبَّهُ فِيمَا شَرَعَ، وَلَا يَدْرِي الْمِسْكِينُ مَا الَّذِي يُوضَعُ لَهُ فِي مِيزَانِ سَيِّئَاتِهِ، مِمَّا لَيْسَ فِي حِسَابِهِ، وَلَا شَعَرَ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِهِ، فَمَا مِنْ بِدْعَةٍ يَبْتَدِعُهَا أَحَدٌ فَيَعْمَلُ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ، إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ إِثْمُ ذَلِكَ الْعَامِلِ، زِيَادَةً إِلَى إِثْمِ ابْتِدَاعِهِ أَوَّلًا (٤)، ثُمَّ عَمَلِهِ ثَانِيًا. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ تُبْتَدَعُ فَلَا تَزْدَادُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ إِلَّا مُضِيًّا ـ حسبما تقدم ـ واشتهاراً وانتشاراً، فعلى وزان ذَلِكَ يَكُونُ إِثْمُ الْمُبْتَدِعِ لَهَا، كَمَا أَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَتْ كُلُّ بِدْعَةٍ (٥) يَلْزَمُهَا إِمَاتَةُ سُّنَّةٍ تُقَابِلُهَا، كَانَ عَلَى الْمُبْتَدِعِ إِثْمُ ذَلِكَ أَيْضًا.

فَهُوَ إِثْمٌ زَائِدٌ عَلَى إِثْمِ الِابْتِدَاعِ وَذَلِكَ الْإِثْمُ يَتَضَاعَفُ تَضَاعُفَ إِثْمِ الْبِدْعَةِ بِالْعَمَلِ بِهَا، لِأَنَّهَا كُلَّمَا (٦) تَجَدَّدَتْ فِي قَوْلٍ أَوْ عمل تجددت إِمَاتَةِ السُّنَّةِ كَذَلِكَ.

وَاعْتَبَرُوا ذَلِكَ بِبِدْعَةِ الْخَوَارِجِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّفَنَا بِأَنَّهُمْ: "يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ" (٧) الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ. فَفِيهِ بَيَانُ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنَ الدِّينِ إِلَّا مَا إِذَا نَظَرَ فِيهِ النَّاظِرُ شَكَّ فِيهِ وَتَمَارَى: هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ فِيهِمْ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا سَبَبُهُ الِابْتِدَاعُ فِي دِينِ اللَّهِ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ ويدعون أهل الأوثان"، وقوله: "يقرأون الْقُرْآنَ لَا يَتَجَاوَزُ تَرَاقِيَهُمْ" (٨). فَهَذِهِ بِدَعٌ ثَلَاثٌ، أعاذنا الله (٩) من ذلك بفضله.


(١) المثبت من (غ)، وفي بقية النسخ "مصون"، ولا معنى لها.
(٢) في (ت): "أمر".
(٣) كتب في هامش (خ): "قبل الإحداث منزلة ليضع قدمه في مصون أم يثق". والظاهر أن العبارتين محرفة.
(٤) في (م): "ولا".
(٥) ساقطة من (م).
(٦) في (م): "كلمة".
(٧) تقدم تخريجه (ص١٢).
(٨) تقدم تخريجه (ص١٢).
(٩) المثبت من (غ)، وفي بقية النسخ "إعاذة بالله".