للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَهْدِيٍّ (١) ـ يَعْنِي الْمَدِينَةَ ـ فَصَلَّى وَوَضَعَ رِدَاءَهُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ، فَلَمَّا (٢) سَلَّمَ (٣) الْإِمَامُ رَمَقَهُ النَّاسُ بِأَبْصَارِهِمْ، وَرَمَقُوا مَالِكًا، وَكَانَ قَدْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: مَنْ هَاهُنَا مِنَ الْحَرَسِ (٤)؟ فَجَاءَهُ نَفْسَانِ، فَقَالَ: خُذَا صَاحِبَ هَذَا الثَّوْبِ فَاحْبِسَاهُ فَحُبِسَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أَمَا خِفْتَ اللَّهَ (٥) وَاتَّقَيْتَهُ أَنْ وَضَعْتَ ثَوْبَكَ بَيْنَ يَدَيْكَ فِي الصَّفِّ، وَشَغَلْتَ الْمُصَلِّينَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَأَحْدَثْتَ فِي مَسْجِدِنَا شَيْئًا مَا كُنَّا نَعْرِفُهُ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي مَسْجِدِنَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (٦)، فَبَكَى ابْنُ مَهْدِيٍّ وَآلَى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ أَبَدًا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا في غيره (٧).

وهذا غاية التَّوَقِّي وَالتَّحَفُّظِ فِي تَرْكِ إِحْدَاثِ مَا لَمْ يَكُنْ خَوْفًا مِنْ تِلْكَ اللَّعْنَةِ، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا سِوَى وَضْعِ الثَّوْبِ؟

وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ الطَّحَاوِيِّ (٨) (سِتَّةٌ أَلْعَنُهُمْ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ) (٩)، فَذَكَرَ فِيهِمْ التَّارِكَ لسنته عليه الصلاة والسلام أخذاً بالبدعة.

وَأَمَّا أَنَّهُ يَزْدَادُ (١٠) مِنَ اللَّهِ بُعْدًا، فَلِمَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: (صَاحِبُ الْبِدْعَةِ ما يَزْدَادُ (١١) اجْتِهَادًا (١٢)، صِيَامًا وَصَلَاةً (١٣)، إِلَّا ازْدَادَ مِنَ الله بعداً) (١٤).


=قضاء المدينة وكان فقيهها. توفي سنة ٢٤٢هـ.
انظر: ترتيب المدارك (١/ ٥١٣)، سير أعلام النبلاء (١١/ ٤٣٦)، تقريب التهذيب (١/ ١٢).
(١) تقدمت ترجمته (ص٨٧).
(٢) في (م) و (خ): "فلم".
(٣) ساقطة من (م) و (خ).
(٤) في (ت): "العرس".
(٥) ساقطة من (غ) و (ر).
(٦) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، من تخصيص المسجد نفسه، وقد تقدم حديث علي رضي الله عنه "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فعليه لعنة الله ... الحديث". انظر (ص١٢٠).
(٧) هذه القصة ذكرها القاضي عياض بلفظها في ترتيب المدارك (١/ ١٧١).
(٨) تقدمت ترجمته رحمه الله (ص٧٧).
(٩) تقدم تخريجه (ص١٢٨).
(١٠) في جميع النسخ: "يزاد" عدا (غ) و (ر).
(١١) في (ت): "يزاد"، وفي (ر): "لا يزداد".
(١٢) في (ط): "ما يزداد من الله اجتهاداً".
(١٣) في (ت): "ولا صلاة".
(١٤) تقدم تخريجه (ص١٤٦).