للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعُد مِنَ الْإِحْدَاثِ الِاسْتِنَانُ (بِسُنَّةٍ) (١) سُوءٍ لَمْ تَكُنْ.

وَهَذِهِ اللَّعْنَةُ قَدِ اشْتَرَكَ فِيهَا صَاحِبُ الْبِدْعَةِ مَعَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ، وَقَدْ شَهِدَ أَنَّ بَعْثَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهَا، وَجَاءَهُ الْهُدَى مِنَ اللَّهِ وَالْبَيَانُ الشَّافِي، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ *} (٢) إِلَى آخِرِهَا.

وَاشْتَرَكَ أَيْضًا مَعَ مَنْ كَتَمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَبَيَّنَهُ (٣) فِي كِتَابِهِ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاََّّعِنُونَ *} (٤) إِلَى آخِرِهَا.

فَتَأَمَّلُوا الْمَعْنَى الَّذِي اشْتَرَكَ الْمُبْتَدِعُ فِيهِ (٥) مَعَ هَاتَيْنِ الْفِرْقَتَيْنِ، وَذَلِكَ مُضَادَّةُ الشَّارِعِ فِيمَا شَرَعَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ، وَبَيَّنَ الطَّرِيقَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى غَايَةِ مَا يُمْكِنُ مِنَ الْبَيَانِ، فَضَادَّهَا الْكَافِرُ بِأَنْ جَحَدَهَا جَحْدًا (٦)، وَضَادَّهَا كَاتِمُهَا بِنَفْسِ الْكِتْمَانِ، لِأَنَّ الشَّارِعَ يُبَيِّنُ وَيُظْهِرُ، وَهَذَا يَكْتُمُ وَيُخْفِي، وَضَادَّهَا الْمُبْتَدِعُ بِأَنْ وَضَعَ الْوَسِيلَةَ لِتَرْكِ مَا بَيَّنَ وَإِخْفَاءِ (٧) مَا أَظْهَرَ، لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدْخِلَ الْإِشْكَالَ فِي الْوَاضِحَاتِ، (مِنْ أَجْلِ اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهَاتِ، لِأَنَّ الْوَاضِحَاتِ) (٨) تَهْدِمُ لَهُ مَا بَنَى عليه في الْمُتَشَابِهَاتِ، فَهُوَ آخِذٌ فِي إِدْخَالِ الْإِشْكَالِ عَلَى الواضح، حتى يُترك (٩)، فبحق (١٠) ما جاءت اللعنة في الابتداع (١١) مِنَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

قَالَ أَبُو مصعب (١٢) صاحب مالك رضي الله عنه: قدم علينا ابن


(١) في (م) و (خ) و (ت): "بسنته".
(٢) سورة آل عمران: الآيتان (٨٦ ـ ٨٧).
(٣) في (ت): "ونبيه".
(٤) سورة البقرة: آية (١٥٩).
(٥) ساقطة من (غ) و (ر).
(٦) ساقطة من (غ).
(٧) في (ت): "وأخفى".
(٨) ما بين المعكوفين ساقط من (ت).
(٩) في (ط): "يرتكب".
(١٠) ساقطة من جميع النسخ عدا (غ)، وفي (ر): "فيحق".
(١١) في (خ) و (ط): "الابتداع به".
(١٢) هو أبو مصعب أحمد بن أبي بكر، واسم أبي بكر القاسم بن الحارث الزبيري، روى عن مالك الموطأ وغيره من قوله، وتفقه بأصحابه: المغيرة وابن دينار وغيرهما. تولى=