للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (١)، وَلِيُنْجِزَ (٢) اللَّهُ مَا وَعَدَ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَوْدِ وَصْفِ الْغُرْبَةِ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْغُرْبَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ فَقْدِ الْأَهْلِ أَوْ قِلَّتِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَصِيرُ الْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا، وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، وَتَصِيرُ السُّنَّةُ بِدْعَةً، وَالْبِدْعَةُ سُنَّةً، فَيُقَامُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ بِالتَّثْرِيبِ (٣) وَالتَّعْنِيفِ، كَمَا كَانَ أَوَّلًا يُقَامُ عَلَى أَهْلِ الْبِدْعَةِ، طَمَعًا مِنَ الْمُبْتَدِعِ أَنْ تَجْتَمِعَ كَلِمَةُ الضَّلَالِ، وَيَأْبَى اللَّهُ أَنْ تَجْتَمِعَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَلَا تَجْتَمِعُ الْفِرَقُ كُلُّهُا ـ عَلَى كَثْرَتِهَا ـ عَلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ عَادَةً وَسَمْعًا، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ جَمَاعَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ (٤)، غَيْرَ أَنَّهُمْ ـ لِكَثْرَةِ مَا (٥) تُنَاوِشُهُمُ (٦) الْفِرَقُ الضَّالَّةُ، وَتُنَاصِبُهُمُ (٧) الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ، اسْتِدْعَاءً إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ ـ لَا يَزَالُونَ فِي جِهَادٍ وَنِزَاعٍ، وَمُدَافَعَةٍ وَقِرَاعٍ (٨)، آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَبِذَلِكَ يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُمُ الْأَجْرَ الْجَزِيلَ، وَيُثِيبُهُمْ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ.

فقد تلخّص مما تقدم أن مطالبة المخالف (٩) بِالْمُوَافَقَةِ جارٍ مَعَ الْأَزْمَانِ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، فَمَنْ وَافَقَ فَهُوَ عِنْدَ الْمُطَالِبِ الْمُصِيبُ (١٠) عَلَى أَيِّ حالٍ كَانَ، وَمَنْ خَالَفَ فَهُوَ الْمُخْطِئُ الْمُصَابُ، وَمَنْ وَافَقَ فَهُوَ الْمَحْمُودُ السَّعِيدُ، وَمَنْ خَالَفَ فَهُوَ الْمَذْمُومُ الْمَطْرُودُ (١١)، وَمَنْ وَافَقَ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْهِدَايَةِ، وَمَنْ خَالَفَ فقد تاه في طرق (١٢) الضلالة (١٣) والغواية.


(١) سورة سبأ، آية (١٣).
(٢) في (غ) و (ر): "وينجز".
(٣) التثريب هو التعيير والاستقصاء في اللّوم، وثرب عليه تثريباً قبح عليه فعله. الصحاح (١/ ٩٢).
(٤) صحت الأحاديث عن عدد من الصحابة في هذا المعنى، بل صرّح عدد من العلماء بتواتر الحديث كابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ٦٩)، والسيوطي في قطف الأزهار المتناثرة (ص٢١٦)، وقد جمع الشيخ سلمان بن فهد العودة هذه الأحاديث ودرسها في كتابه صفة الغرباء (ص١٣٧ ـ ٢٣٣).
(٥) ساقطة من (ت).
(٦) التناوش: التناول والانتياش مثله. انظر: اللسان (٦/ ٣٤٩).
(٧) في (ط): "تناضبهم" بالضاد.
(٨) في (ر): "وخداع".
(٩) في (ت): "المخالفة".
(١٠) في (ت): "مصيب".
(١١) في (ت): "الطريد".
(١٢) في (ت): "طريق".
(١٣) في (م): "الظلال". وقد رسمت في جميع النسخ بالظاء، وهو كالمنهج في هذه النسخ. وسوف لن أشير إلى هذا الخلاف إلاّ نادراً.