للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يدعو غيره إليها، ويحضّ سِوَاهُ عَلَيْهَا (١)، إِذِ التَّأَسِّي فِي الْأَفْعَالِ وَالْمَذَاهِبِ موضوع طلبه في الجِبِلَّة (٢) (٣)، وبسببه تقع من الْمُخَالِفِ الْمُخَالَفَةُ، وَتَحْصُلُ مِنَ الْمُوَافِقِ الْمُؤَالَفَةُ، وَمِنْهُ تنشأ العداوة والبغضاء للمختلفين (٤).

وكان (٥) الْإِسْلَامُ فِي أَوَّلِهِ وجِدَّته (٦) (مُقَاوِمًا بَلْ) (٧) ظَاهِرًا، وأهله غالبين (٨)، وَسَوَادُهُمْ أَعْظَمُ الْأَسْوِدَةِ، فَخَلَا مِنْ وَصْفِ الْغُرْبَةِ بِكَثْرَةِ الْأَهْلِ وَالْأَوْلِيَاءِ النَّاصِرِينَ، فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ ـ مِمَّنْ لَمْ يَسْلُكْ سَبِيلَهُمْ، أَوْ سَلَكَهُ وَلَكِنَّهُ ابْتَدَعَ فِيهِ ـ صولةٌ يَعْظُمُ مَوْقِعُهَا، وَلَا قُوَّةٌ يضعف دونها حزب الله المفلحون، فسار (٩) عَلَى اسْتِقَامَةٍ، وَجَرَى عَلَى اجْتِمَاعٍ وَاتِّسَاقٍ، فَالشَّاذُّ مَقْهُورٌ مُضْطَهَدٌ، إِلَى أَنْ أَخَذَ اجْتِمَاعُهُ فِي الِافْتِرَاقِ الْمَوْعُودِ، وَقُوَّتُهُ إِلَى الضَّعْفِ الْمُنْتَظَرِ، وَالشَّاذُّ عَنْهُ تَقْوَى صَوْلَتُهُ، وَيَكْثُرُ سَوَادُهُ.

وَاقْتَضَى (١٠) سِرُّ التَّأَسِّي الْمُطَالَبَةَ بِالْمُوَافَقَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَالِبَ أَغْلَبُ، فَتَكَالَبَتْ عَلَى سَوَادِ السُّنَّةِ الْبِدَعُ وَالْأَهْوَاءُ (١١)، فَتَفَرَّقَ أَكْثَرُهُمْ شِيَعًا.

وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ: أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ فِي جَنْبِ أَهْلِ الْبَاطِلِ قَلِيلٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ *} (١٢)، وقوله:


(١) في (خ): "ويحض سؤاله بل سواه عليها"، وناسخ (خ) يفعل هذا إذا أخطأ حيث يضرب عن الخطأ بقوله بل، ثم يأتي بالصواب.
(٢) الجبلة: الخلقة، ومنه قوله تعالى: {وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ}، والجمع الجبلات. الصحاح للجوهري (٤/ ١٦٥١).
(٣) كتب في (خ) بعد كلمة الجبلة كلمة غير واضحة، ولعلها "بداهة".
(٤) في (ر): "بين المختلفين".
(٥) في (ط): "كان".
(٦) قال في الصحاح: جد الشيء يجد بالكسرة جدة: صار جديداً، وهو نقيض الخلق الصحاح (٢/ ٤٥٤).
(٧) ما بين المعكوفين ساقط من أصل (خ) ومثبت في هامشها.
(٨) هكذا في (م) و (خ) و (ت)، وفي (ط): "غالبون"، على أنها خبر "وأهله"، والذي يظهر أن قوله غالبين صحيح أيضاً، على تقدير "وكان أهله غالبين".
(٩) في (خ) و (م) و (ط): "فصار".
(١٠) في (ر): "فاقتضى".
(١١) في (م): "البدع الأهواء" بدون واو، وفي (غ): "سباع الأهوى".
(١٢) سورة يوسف، آية (١٠٣).