للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمعروف، ولا نهي عن المنكر؛ فما أقل النفع بهم! وأحقر الفائدة على الدين منهم!؛ فإنهم وإن كانوا ناجين بأعمالهم، فائزين بتمسكهم بعروة الحق الوثقى، لكنهم في زمان غربة الدين، وانطماس معالمه، وظهور المنكر، وذهاب المنكر بين أهل السواد [٣] الأعظم، وفيما يتظاهر به الناس؛ وحينئذ يصير المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، ويعود الدين غريبا كما بدأ.

وإذا تقرر لك هذا، وعرفت ما في قيام الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في الناس من مصالح المعاش والمعاد، وفوائد الدنيا والدين (١) - فاعلم أن هذا الذي رأي منكراً، إن كان قادرا على تغييره بنفسه (٢)، أو بالاستنصار بمن يمكن .............................


(١) قال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠].
وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:١٠٤].
وقال سبحانه وتعالى: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:١٦٥].
وقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩].
قال ابن كثير في تفسيره (٢/ ٣٩٦) فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في المدح كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها رأي من الناس دعة فقرأ هذه الآية: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ثم قال من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم بقوله: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
(٢) قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". من حديث أبي سعيد الخدري.
أخرجه مسلم رقم (٤٩) وأبو داود رقم (١١٤٠و ٤٣٤٠) والترمذي رقم (٢١٧٣) والنسائي (٨/ ١١١) وابن ماجه رقم (٤٠١٣).
قال القرطبي في "المفهم" (١/ ٢٣٣): هذا الأمر على الوجوب لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الإيمان ودعائم الإسلام، بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ولوجوبه شرطان:
١ - العلم بكون ذلك منكرا أو معروفا.
٢ - القدرة على التغيير.