للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: سلمنا تنزلًا. فما يقولون في الأسباب الموجبة للخزي هل هي معينة أم لا؟ إن قلتم بالأول فما دليلكم؟ وإن قلتم بالثاني صح استدلالنا، وثبت مطلوبنا.

قال: صدر الآية: {يا أيها النبي جاهد الكفار} (١) إلى آخر البحث.

أقول: غير خاف على فطرتكم السليمة، وفكرتكم القويمة أن صيغة الكفار عامة، ولم يقع الخلاف في مثلها إلا من جهة استغراقها للجموع، أو لما هو أعم من ذلك، وقد اختلف كلام جار الله (٢) في ذلك، وقد حقق سعد الملة التالي، ورجحه وكرره في حاشية الكشاف مرات، وطول الكلام في المطول، وزعم أنه مذهب أهل الأصول والتفسير، وعلى ذهني أنه ذكر في حاشيته على شرح المختصر، ولم يطول الكلام أحد في ذلك بمثل ما طوله.

وقد تقرر عدم القصر على السبب؛ فاستدلالنا بها من هذه الحيثية وكون مقام النزاع من أسباب الأغلاظ أمر لا ينكر، والدليل على مدعي التخصيص إن سلم العموم أو التقييد إن لم يسلم، ولا دليل يخرج الالتقاط فيما نعلم، فأفيدونا به، وهذا الدليل صالح للاستدلال به على وجوب الإجبار على هذه القضية، ولا يقال أن الأمر بجميع أسباب الأغلاظ لا يمكن الوفاء به؛ لأنا نقول: أسباب الأغلاظ متفاوتة، وهذه من أهمها، فغاية الأمر أن الأغلاظ عليهم بالأهم ممكن بالفعل، فلا شك في صحة التكليف به. والاستدلال بقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} (٣) مسلم، ولا يضرنا تسليمه؛ لأن البحث في غيره.

قال: لا ينكره أن العزة لله ورسوله وللمؤمنين، وأما كون هذه مقدمة ركب العزة فلا، إذ يلزم من ذلك أنه لا عزة للإسلام في البلاد الخالية عن اليهود إلخ.


(١) [التوبة: ٧٣]، [التحريم: ٥٩].
(٢) الزمخشري في "الكشاف" (٣/ ٦٨).
(٣) [العنكبوت: ٤٦].