خصال الصلاح التي يتلبس بها اليهود الآن، وإن سلمتم أن لا خصلة من خصال الصلاح تساميها، فلا نقول لكم: أجبروا اليهود على هذه الخصلة، مع كراهتهم وعدم رضاهم، ولكنا نقول: مروهم بذلك؛ فإن قبلوا ورضوا فبها ونعمت، وإن أبوا أمرتموهم بالخروج من ذلك المحل، ولا يجب عليكم زيادة على ذلك، وكل ما ذكرناه في أدلة حل الإشكال فهو على فرض عدم الإخراج، وإلا فهو المتعين عندنا.
ولو سلم أن هذه الخصلة ليست الفرد الكامل في باب الصلاح، لما كان ذلك قادحًا في جواز أمرهم بالخروج على أصلكم إن لم يحصل [١٣] الرضا والقبول. ولا شك ولا ريب أنهم يؤثرون قبول هذه الخصلة، ويرضون بها على الخروج المذكور، كما وقع مثل ذلك من يهود صنعاء عند تخييرهم. ولقد صاروا الآن يتحاسدون في ذلك المكسب، ويتنافسون فيه، ويغتبطون به غاية الاغتباط.
وكل قرين إلى شكله ... كأنس الخنافس بالعقرب
وأما المعارضة فيقول: تسليم عدم الجواز ذلك لا يفيدكم في عدم إجبار المسلمين على الترك، لما قررنا من أن مباشرة العذرة محرم، ومنكر بالإجماع، وأدلة إنكار المنكر متواترة؛ فإن اعتذرتم بما سلف من تسميد الأرض، فلا دلالة فيه على المطلوب إن أنصفتمونا.
قال: لفظ ذلة مصدر نوعي، يدل على النوعية، والتاء تدل على الوحدة واللام في الذلة للعهد الخارجي الذي هو أم الباب إلخ.
أقول: اعلم أن وحدة الذلة وعدمه ليس لنا فيه نزاع، إنما النزاع في أسبابها، والذي نفيناه في حل الإشكال هو الذلة الحاصلة بسبب خاص، ولا شك أن وحدة الذلة أو نوعيتها كما ذكرتم لا يستلزم وحدة السبب الذي تحصل عنده؛ فإنه لا يحصل عن الأسباب المتعددة، وإن تبالغت في الكثرة إلا مسمى الذلة، ولهذا لم نحم حول وحدتها وعدمها؛ فاشتغالكم ببيان اللام والتاء في الذلة كاشتغالكم ببيان الصغار بالقوة والفعل؛ وذلك لا يكون إلا باعتبار الإذلال في الأول، والإصغار في الثاني لما سلف، فتنبهوا