للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقيدة لتلك كما هو القاعدة أن المطلق يحمل على المقيد، فقد صاروا في كنف الإسلام وحماه وعزته إلخ.

أقول: الذلة والمسكنة مذكورتان في آية آل عمران، مفعولتان لفعل هو ضربت، فأين المقتضي للتقييد؟ فإن قلتم: هو قول الله تعالى: {إلا بحبل من الله وحبل من الناس} (١).

قلنا: هو حجة عليكم لا لكم؛ لأن المراد به نفي العزة عنهم في جميع الأحوال، إلا في حال الالتجاء إلى الذمة بإعطاء الجزية، فهذا الالتجاء والإعطاء هو غاية ما لهم من العزة، وأنتم تجعلون إعطاء الجزية مع ما يصحبه من الإذلال كافيًا في الصغار الذي هو شرط ترك المقاتلة، والقيد مشعر بخلاف ذلك. وهذا القلب مع كون فيه ما فيه لا يقصر عن دليل مطلوبكم من التقييد.

قولكم: إنما عوهدوا على أداء الجزية.

قلنا: القرآن والسنة مشعران بخلاف ذلك، وما نقلتموه عن محمد بن إسحاق لا يفيدكم؛ لأن غايته الاقتصار على الجزية، وفي القرآن زيادة يجب قبولها بالإجماع؛ لعدم منافاتها للأصل، وهي قوله: {وهم صاغرون} وقد سلف تحقيق الصغار منا ومنكم، وكذلك ما نقلتموه عن التلخيص وما بعده.

قال: إذا تقرر هذا، وعرفت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صالحهم على الجزية، وعقد لهم بذلك [١٢] ذمة الله، وذمة رسوله، فكيف يجوز نقض ما عوهدوا عليه، والزيادة على ما سن من السنة في أهل الكتاب! أقول: لم ينقض ما عوهدوا عليه، فنحن نقول بموجب كل ما ذكرتم، ولم ترد على السنة التي سنها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وكيف لا ونحن لا نطلب منكم إلا ما أذن الله به من الصغار والإذلال، بعد أن حققنا دلالتهما على محل النزاع، فالله المستعان، ولو كان مجرد


(١) [آل عمران: ١١٢].