للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الصحيح (١): وكنا على عادة العرب الأولى نعاف هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم، أو كما قالت: فكيف يقال أن الشارع أباح ما لا وجود له في تلك البلاد!

فإن قلت: وجوده في بعض البلاد الإسلامية في ذلك الوقت كاف، والاحتجاج بتقريره ركن.

قلنا: أين لنا في أي بلاد الإسلام كان ذلك؟ وأين لنا أن المسلمين كانوا يقولون ذلك؟ وأين لنا أنه بلغ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فقرره؟ وبعد هذا البيان نقول: النهي عن التلوث بالنجاسة لغير ما واجب أو ندب عام مجمع عليه، فيقتصر في تخصيصه على ذلك المقدار؛ أعني إخراج الحشوش إلى الأموال الحاجة أهلها، وأما إلحاق محل النزاع بذلك فمع كون التخصيص بالقياس محل خلاف، ثم فارق لا يصح إلغاؤه، فيكون معه فاسد الاعتبار، وإلا لزم إلحاق كل تلوث، وأنه باطل. أما الملازمة فلأن إلغاء الفارق يوجب ذلك، وأما بطلان اللازم فضروري.

وأما قولكم: ولا يقول أحد: إن الأموال كانت لا توضع فيها الأزبال، فإن قلتم بتعميم الأزبال الداخلة تحته العذرة فممنوع، ويعود البحث الأول، وما نقلتموه عن الصحابة لا يفيد ذلك، كيف وابن عمر يقول: ويشترط عليهم أن لا يزبلوه بعذرة الناس. وإن قلتم: الأزبال الظاهرة فمسلم، ولا ينفعكم ولا يضرنا.

وإن قلتم: المراد بالأزبال جنسها الشائع في الأفراد، فغاية ما فيه احتمال أن يكون من الطاهرة، واحتمال أن تكون من المتنجسة بعد الاستحالة، كما نشاهده الآن، واحتمال أن يكون من النجسة قبل الاستحالة، والاحتمال قادح في صحة الاستدلال، فتدبروا في قولكم، وقد أباح الشرع الأول.


(١) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٥٦/ ٢٧٧٠) من حديث عائشة وفيه: ". . . وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع. وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل. وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا، وأمرنا وأمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. . . ".